الخميس، 13 يوليو 2017

طقوس من مطر

 للكتابة طقوس تشبه المطر عندما يختار الهطول والرقص على طريقته حرا ليعبر عن لغة الخاصة خلف كواليس الأرض وهو يعزف نوافيره وينقط بحروفه خلف النوافذ و الأشجار المتعبة… فتستريح.
– للموت طقوس تشبه طقوس النسيان يحضر قويا ويذوب تدريجيا مع شموع الحقيقة وفرضية الصبر والانكسار والتماس العذر لاختفاء النجمات عندما تسقط الشمس من عنق السماء وتفرض أبجدية النهار.
– للوحدة طقوس الغياب عندما تذهب وحيدا معك وتتأمل مفاصلك وتعد أصابع ذاكرتك وتعاتبها على روماتيزم الهوامش وحوافر الخيل التي وشمت أفكارك بكل ما مر من الذكريات التي ستتحول حتما إلى خيوط عابرة.
– للحب طقوس لا تشبه الحنين الذي يولد من جرح ولا تلتقي مع مساحات التجلي التي تذوب كقطع السكر في كوب شاي، وإنما قد تكون حروفا غير قابلة للتعريف أو التحليل أو الذوبان في قوالب مصطنعة، فهي لا تصغي إلا لصوت القلب الذي خلق حرأ كطائر من نور.
– للصمت طقوس من شفافية التوق وحالة حدوث تلقائية الهطول المفاجئة دون مقدمات فهو يشبه حالة انتظار ترميم ما توجعت منه الذاكرة في علاقة بينه وبين السكوت الذي يأتي بمناسبة الخوف من البوح وأن كليهما يقف بعيدا على حافة وقت لا يأتي.
– وللانتظار طقوس على قارعة كتاب منسي ودقائق غائبة في لحظات التعلق ودوزنة حروف القلب عندما يلتفت إلى مواقيت الحضور الذي يتمطى أحيانا ويغيب أحيانا أخرى ويرحل للأبد، ويترك خلفه عقارب ميتة ذبحتها قسوته.
– وللوجع طقوس الخيبة من اختراق طلقة من أقرب المسافات دون القدرة على الآه آه فهو يظل متراكما مترسبا كالكلس على الجدران، يئن كلما تحرك من مكانه أو هطل عليه الماء ليرويه فيكتشف أنه غير قابل للذوبان أو التحلل.
– لا تذهب وحيدا إلى طقوسك الغافية خلف نظارة الحلم الذي يحتاج للنسيان، اذهب بلا صخب يشق ثوب الليل عندما تغلق الباب عليك تذكر نفسك دونما أثواب الطقوس كي تستطيع النوم لتصغي إلى جسدك بهدوء دون تجليات المكان أو الزمان، ما عليك سوى الغياب في اللا شيء
– سنلتقي مهما ابتعدنا عن طقوسنا في صباحاتنا وكيف نتعاطى مع الندى و نتقاسم الياسمين، سنلتقي مع أفكارنا وهدوئنا وصخبنا ولغتنا سنلتقي مهما ابتعدنا عن ماهية الكلمات التي تعبر عنا… فكلنا “طقوس” تنتظر الخروج من كواليس النسيان، تحتاج لأن نتغير ونتجاوز ما ورثناه من تعب، ومن طقوسنا الوراثية في التعامل مع كل ما يحيط بنا، نحتاج لأن نبني جدارا من حالة استثنائية أن نتدرب على البوح والخروج من قوالب الصمت والوجع والنسيان وتجاوز حدودها الحياة، التي تتغير بمراجعة الأخطاء و إحراق الكمنجات الباكية والخروج من زمن راحل إلى وطن واثق يستعيذ من تردد امتداد العشب إلى الاخضرار، واستئصال هذه الطقوس وغرس أخرى، تكون حنونة أكثر ومتفائلة أكثر ومحبة أكثر بما يكفي لتجاوز عقد الكلام ومناقشة الفوارق الهشة بين الأشياء والحريات، باعتراف بسيط يمكننا أن نغير طقوسنا الحجرية إلي طقوس من مطر… وما أحلى المطر…

كي تمتلك نفسك!

يقول الفيلسوف فريدريك نيتشة: إن على الفرد دائما أن يقاسي ليبقى حرا من هيمنة المجتمع وتابع قائلا: ستكون وحيدا وأحيانا خائفا لكن الثمن ليس غاليا في مقابل أن تمتلك نفسك” قد يكون في هذا القول تطلع كبير لكسب التميز والخروج بمنتج جديد يحقق الكينونة الذاتية التي تحدث عنها نيتشة وطالب بها في أقواله وأفكاره التي يمكن استثمارها في تحقيق مبدأ الاختلاف ذلك الذي يسعى إليه المتفرد من بين البشر والرافض لفكرة اللحاق بالقطيع والباحث عن الجديد متحديا ثقافة المجتمع التي قد تستهجن بعض السلوكيات التي قد لا تكون بالضرورة من ضمن تابو المحرمات وإنما قد يعتبرها بعض خروجا عن سجن الأفكار والقناعات المجتمعية التي تشكل حاجزا ضد التطوير والتغيير، ونحن هنا لسنا بصدد إيجاد طرق تحدٍّ لأولويات المجتمع ولكننا بحاجة محاولة إيجاد حالة من التفهم للتغيير الجذري الذي لحق حياتنا فما رفضناه بالأمس قبلناه اليوم، لا بل صرنا نسعى للحصول عليه لأسباب وجود المتغيرات التي صنعتها التقنيات الحديثة التي غيرت المفاهيم تجاه عديد من الأمور ونقلتنا إلى الحداثة ومحاولة اللحاق بركب التقنية الخلاقة والخروج مع القوالب التي تعايشنا معها أزمانا طويلة، حيث كان حدوثها ضربا من صنوف المستحيلات. هذه التغيرات حدثت بفعل التغيير وبفضل من أخذوا على عاتقهم فتح الأبواب وتحمل تدافع الآخرين خلفهم، ولا أريد أن أقول إن المجتمع يكون في كثير من الأحيان محبطا لهذه المنتجات إلا أن معول النجاح الحقيقي يتجسد في شجاعة الإقدام على الأفكار الجريئة والمتجددة وتحمل تبعات نقد المجتمع والمحاولة والصبر لحين تحقيق النجاح الذي لا يهدف إلى الوصول إلى نقطة معينة وانتظار تصفيق الآخرين بقدر ما يحمل بين طياته الرغبة في إثبات طروحات جديدة للمجتمع لا يمكن أن نحصل عليها سوى بالمجازفة والعمل والوصول لإمكانية ابتلاع المجتمع للرؤى الفريدة وهضمها وتقبلها حتى وإن جاءت بعد تكرار الفشل والخوف والرفض، التي تعتبر من أهم محفزات التحدي الموصل للنجاح. ويتابع نيتشة في قوله :”لن نحترق من أجل آرائنا لأننا غير متأكدين منها لكن يمكننا الاحتراق من أجل امتلاك وتعديل آرائنا ” وفي ذلك إصرار آخر على إثبات الذات بالطرق المختلفة بعيدا عن سيادة المجتمع التي ينبغي عليها أن تكتفي بتقديم النصح للطاقات الشابة ومحاولة مساندتها وتشجيعها للخروج إلى عوالم ونقاط انطلاق جديدة تبدأ من حيث انتهينا وتكمل المشوار بذات العزيمة والقوة وانتظار النتائج ورصد العثرات ومحاولة تلافيها للخروج بقوانين وإثبات براهين أكبر عن إرادة الإنسان التي تحمل في طياتها مضادات حيوية للفشل والتراخي والاستسلام. ولكي تملك نفسك لابد وأن تحصل على إكسير مقاومة الفشل والتراجع والاعتزاز بالنفس وحماية الأفكار من كافة أسباب التسويف والاستخفاف، ففي كافة المشاعر الإنسانية التي تدور في ذات الإنسان خلال مراحل حياته تتشكل صراعات طبيعية يولد مبدأ و فكرة مضيئة تحتاج لأن تقاتل في سبيل تحقيقها وإثبات نظرية مختلفة في الحياة التي يمكن أن يسير على خطاها الباحثون ممن يحتاجون لمعرفة التجارب وتبعاتها وإخفاقاتها ونهاياتها في قصص نجاح وصل إليها كثير منا بفضل الصبر والمثابرة والجد ومحاولة وضع بصمة خاصة تقول “هذا أنا” وتضع نقطة في آخر السطر.

أحلامنا المخترقة

مايزال الحلم أهم فرص الأمل، فالماضي عرفناه والحاضر نعيشه، والمستقبل هو القادم الذي نتطلع إليه، ويظل في وجدان كل منا خارطة من اللوحات المرسومة لما هو آت، تلك التي تتغير كلما مضى بنا العمر، التي نظل نلاحقها كالفراشات ونحن نحاول أن نحميها من الانبهار بحواف الضوء والاحتراق، هذه الرؤى التي علقناها على نواصي الغد على أمل التحقق، لكنها وعلى الرغم من كافة الإجراءات الاحترازية التي قمنا بها تعرضت للاختراق، لأننا لم نعد قادرين على أن نحميها من هكر التغيير الذي اجتاح عالمنا، وعلى الرغم من ذلك بقيت تقاوم الغياب لتظل خارج الرقابة نحافظ على ملكيتها وعلى حقوقنا الفكرية في صياغتها وفي تفصيلها على مقاس أفكارنا التي نقص المترهل منها ونرسلها عبر مساحات التطلع والطموح، بعد أن نحاول أن نحميها كما نحمي البيوت والحصون التي نبنيها بالقرب من شواطئنا ونفرض عليها حراسة مشددة باعتبارها أحد أهم حقوقنا في الحياة وفي الوصول إلى بصيص الضوء الخافت الذي يطل في آخر نفق تفكيرنا المتعب ..نقف على ناصيتها ونشطح بالخيال بعيدا لننظر خلفنا ونواسي الأحلام المتعثرة التي سقطت من نوافذنا خلال الرحلة المضنية دون أن ندري أنها غادرت أكتافنا وإغفاءات ليلنا و وسائدنا، فنحاول أن نخلق أحلاما جديدة لمرحلة أخرى يصعب أن تمر دونما تطلع، فما أتعس الذين فقدوا هذه القيمة وتوقفوا عن الأحلام واختاروا الحياة ليتشابهوا مع اللوحات الباهتة التي علاها الغبار وتكاثرت عليها تجاعيد الزمن، وذهبت إلى غياهب النسيان قبل أن يفسروها ويتعرفوا على رموزها وطلاسمها، مكتفين بفعل ذاكرة الحلم الذاهب خلف الريح، ينامون ويقومون دونما معنى طالما أن أبواب منازلهم ونوافذهم ومقاعدهم وحبال غسيلهم بقيت في مكانها ولم تتغير، ولم يبحثوا عن حقهم في حلم يتحقق ولم يحثوا من حولهم كي يغيبوا قليلا مع هدف يمكن أن يشدوا الرحال إليه، راضين بالوقوف في محطات الترقب، أولئك الذين لا يحلمون ويرضون بالموت وهم يتنفسون ويقبلون بأي شيء، شرط أن يظل التكرار والتشابه مطلا على حياتهم ما استطاعوا إليه سبيلا، وعندما أسأل نفسي الآن عن أحلامي، قد أجد أنني قد أكون كغيري متأثرة بفعل النحت والتعرية لكل خيالاتي وأحلامي السابقة التي صارت لغيري ولم تعد لي، اكتشفت أنني صرت أمارس فعل الحلم لصالح الآخرين وأتفانى في إرسالها معبأة في زجاجات البحر فأحلم لأولادي ولأهلي ولصديقاتي وأقاربي، وقد يتمدد حلمي ليشمل الأسرى في السجون الإسرائيلية، ويركض خلف خريطة الوحدة العربية، وقد يكون أكثر جرأة ليحلم بزوال الاحتلال وبخيمة من السلام وبعالم لا يتكاثر فيه الفقراء وبفقاعة تكفي لطفولة دائمة. أشعر أنني فقدت القدرة على أن أخلق طريقا لنفسي وأن أركض إليه لاحتضنة وأدفئه بالأمل، وأن أنقذ دفاتري وأوراقي البيضاء من قناصة الأحلام المتربصين.
إنني الآن أحلم لغيري فأحلامي ليست لي، وليس لدي القدرة على أن أمتلك المقدرة الفذة لرحلة البحث عن حلم يكون ملكي، أو أن أقوم بممارسة إقناع غيري ليزهونّ معي لنفتح بوابة حلم عربي يحتوينا جميعا، ويأخذنا من غابات الكوابيس التي سرقتنا من النوم وحرمتنا من لذة الحلم بليلة وردية على ضفاف قمر يرفض الشحوب ويطل بهيا في ليلة الـ 14 من شهورنا العربية التي تغيرت أحلامها ومسمياتها وصارت تفكر كيف تكون مقنعة أكثر لحكاية أخرى لا يعتريها برد التشابه ولا تنغمس إلى أذنيها في الإنصات لأكاذيب الآخرين، ليتني أستطيع أن أعود للحلم لحظة كي أحس أنني مازلت حيا، ليتنا نستطيع أن نحمي أفقنا العربي من الاختراق ومن الهلاوس وأن نعود لنخبئ الحلوى في جيوب الصغار ونحن نعدهم بعيد أنيق وثياب وبعض من الريالات و العيديات واللعب عندما يغفون على وسائدنا ليلة العيد ويذهبون في الصباح ليدقوا الأبواب وعيونهم تلمع من فرحة الأمل، الذي سيجيء يوما ما بإذن الله.

اخر التعليقات