الخميس، 22 فبراير 2018

في مدرسة الملهمين

قد يتحول البعض في حياتنا إلى سطور تنبض من كتب الإلهام أولئك الذين يمكن أن نستقي من تجاربهم وإيجابيتهم معانٍ جديدة، ونبراساً يمكن أن نهتدي به ونحن نسلك طرق الحياة الوعرة "إنهم الملهمون"، الذين يحتفظون بمعانٍ حقيقية لتجربة الحياة ويعيشون ضمن مبادئهم الإيجابية بقصصهم التي تتحرك وتتنفس، ونراها تحيا وتسير أمامنا بعيدا عن التنظير وعن عناصر التأليف وبدايات ونهايات القصص المستهلكة وسواء تصادفنا مع هذه الشخصيات أو قرأنا لها، أو رددنا أحاديثها المأثورة التي أقنعتنا أو أننا اكتفينا بقراءة ما وراء سطورها ففي نهاية المطاف سنقف لنعد آثار بصماتهم الخاصة التي أودعوها كتبهم، أو لوحاتهم أو بعضا من مفردات أو قصص تروى وكأنها كتلة من التجارب والخبرات تمشي على الأرض، وفرصة للاستفادة من غيمة مغدقة وتطبيق عملي للحياة يمكن أن تشاهده حيا مباشرا فتخرج برؤية مضيئة قد تغير مسار حياتك للأبد.
إننا بحاجة إلى حكايات ملهمة تكون وقودا لنا ومحركا لنا لنطرق أبوابا جديدة ونعرف كيف نتعامل مع منعطفات الزمن ومتغيراته، ولا أعتقد أن التعليم والحصول على الشهادات العليا من أساسيات الإلهام فقد تتعلم أفضل الدروس من أبسط الكائنات فهي ليست حكرا على بني البشر وإنما قد يلهمك إصرار السنابل أو حقول الورود أو ضوء القمر أو صفحات الليل لمعرفة أشياء لا يمكن أن تحصل عليها من مئات المؤلفات والمحاضرات وقد تستقي أفضل الخبرات من أبسط البشر ومن عابري المحطات والشوارع، ومن أبعد العناوين عن أفكارك إنك لا يمكن أن تختار أو تنتقي مصادرك الإلهامية وإنما عليك أن تتمعن جيدا فيما يمكن أن يكون خلاقا فيما هو حولك ومؤثرا في قراراتك للبحث عن سحابتك المقبلة كي تعرف الكثير عن دروب الفشل المؤدي للنجاح، وعن حواسك التي تتجاوز العشرة عندما تعد على أصابعك لتكتشف أن الروح الإنسانية ما تزال تحمل الكثير من الحواس غير المكتشفة والتي يمكن أن تشعر بها وأنت تخاطب جيوش الأفكار التي تملأ رأسك وتجعلك تخرج من فوضاك لتعرف ما في داخلك من كوامن عندما يلمع البرق في عينك في لحظة تردد فيها "وجدتها" وتعرف أنك ما زلت تتهجى أول حروفك وأنه ما يزال لديك الكثير لتكتشفه عن نفسك من خلالها.
إنها الظاهرة الإنسانية التي تجعلك تتمعن في كل ما يحيط بك لتصنع منه درسك اليومي والملهمون أنواع بحسب موقع "Sources of Insightf" المعني بتطوير المهارات، وربما تختلف تعريفاتهم قليلا عما نعرف أو نظن فمنهم الحالمون الذين يقفزون على السحب ويحاولون أن يصنعوا أقواسا من المطر وينسجون خيوطا من الأفكار التي يصعب تحقيقها فهم يملكون كل أدوات صناعة الأفكار بينما يعجزون عن تحقيقها فهم يحلقون ويقفزون دون الاكتراث بما يتحقق منها بينما يركز الفاعلون على فكرة واحدة ويبدؤون بتنفيذها، يعملون عليها كأنها الحل الوحيد في الحياة، يشعرون بالملل والهزيمة فالتنفيذ جزء رئيسي في حساباتهم ويتبسلون في الدفاع عن مبادئهم وأفكارهم بينما يظل النموذج الثالث ممن يجمعون بين الحلم والفعالية في موازنة بين هذه الأدوار هم الأجدر بنيل شرف هذا اللقب الذي يعني تحمل مسؤولية كبيرة في صناعة القدوة، وتبعات العطاء بلا حساب والقدرة على صناعة الإرادة والتدريب على مواجهة الأزمات إنهم الأشخاص الذين ترتفع درجة الحساسية لديهم بمجريات الأحداث بما يفوق مقياس ريختر لمقياس الزلازل التي تصيب النفس البشرية، وتستدعي وجود فئة تساهم في صياغة قوانين التغيير وتحمل نتائج فتح الأبواب المغلقة وصناعة عناصر المفاجأة، وتاريخ المبادرة، وهذه الشخصيات تولد من تجارب ومغامرات مؤثرة أوجدت هذه الروح التي تستقي أفكارها، وتصيغ أهدافها ومعانيها مما عاشته من ظروف إيجابية أو سلبية وتمكنت من خلالها تكوين نقلة جديدة ومؤثرة في تآلف مع مشاعر مقنعة تجعلها تخرج إلى منطقة القرار بأن تستفيد من كل ما في هذا الكون من مصادر للمعلومات، وأنسنة الأشياء، وتلمس طرق وأبجديات المرحلة والسير في خط متواز مع هذه الأولويات التي تحقق نظرة ثاقبة ومختلفة يمكن أن يصل إليها من يكتشف نفسه أولا ويقبل انعكاسات التجارب، والملهمين على حياته بعيدا عن التمسك بالبراري القاحلة تلك الولادة التي يمكن أن تخرج من رحم عشبة فرضت نفسها وتمددت على الأرض دون أن تكترث بمن يرويها، أو شجرة ألقت أوراقها الصفراء على الرصيف، أو من بكائية شاعر أو من شرود ضوء نحو الأفق البعيد، إنك بحاجة للبعد عن صرير تكرار الفعل وتوقع نتائج مختلفة ما تحتاجه هو صناعة وطن متكامل من ذاتك ينمو، أعماقك تعود إليه لتتحدث إليه وتناقشه وتختبئ خلف جدرانه وطن ينبع من ذاتك ليلهمك كيف تتمتع بشجر الأكاسيا وتساقط المطر ويشرح لك قيمة احتساء فنجان قهوة على رصيف بعيد ويأخذك مع الشمس لتتسلل من شقوق النوافذ، وتلعب مع الصغار لتثبت لكل قوانين الطبيعة أنك إنسان يؤثر ويتأثر ويفهم ويتفهم، ويعود إلى نفسه في نهاية المطاف ليتحدث إليها، ويقنعها أنه يستوعب حزمة الضوء التي يمر بها في كل يوم من هذه الموجودات التي لم يكن يعرف أنها من أعتى الملهمات.

الصعود الى القمة

"لا شئ يبقى للأبد "فكل ما نعيشه في سعادة أو قسوة أو حزن أو رخاء سيصبح في يوم من الأيام من الماضي وسنزرعه كالياسمين في حقول الذكريات ونتذكره عندما يتجول كل منا في حديقته الخاصة وهو يعبر في طرقاتها ويتذكر لحظاته التي يشمها كلما مر في رحيق الزمن الذي عبر فجأة أو على مهل سيظل كل شئ معلقا في الذاكرة كخيط رفيع يعيدنا إلى شريط الماضي الذي نهديه إلى باقة أيامنا ونحن نقلب أوراقها ورقة ورقة ونتساءل عن أخر قطرة ستسقط من هدير الحكايات ومن صخب الموج عندما يعلو فيطغى على أفكارنا وعندما يكون مليئا بالمتناقضات فيصمت ويترك لنا فرصة التأمل.
وفي مفارقة تجارب الصعود إلى القمم والعثور على خيارات الطرق المؤدية لتحقيق الأحلام يمكن أن تبدو الصورة وردية أحيانا وضبابيه وغائمة أحيانا أخرى فهذه الطرق لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تظل متوازية مع طموحنا وتوجهاتنا ولكنها قد تكون مليئة بالمنعطفات والعثرات التي تعزز ثقافة الثقة بالنفس والقدرة على مواجهة المصاعب وحل المشكلات التي تواجهنا فلو أن الطريق كان ممهدا للأبد.. لما عرفنا قدراتنا أو تمكنا من اكتشاف الطاقات الكامنة فينا والتي تظهر عندما نمر بهذه التجارب الخطيرة و الحادة التي نتعرف من خلالها على هويتنا الحقيقية وعلى كل ما يمكننا أن نحققه وهذه المزايا لا يمكن أن تتحقق عندما يكون الطريق معبدا ومفروشا بالزهور ومليئا بالأنوار والكهرباء فالطرق المظلمة تجعلنا نتعرف على مقدرتنا الفذة في تحسس مواطئ أقدامنا كما أن المياه العميقة تضعنا في تجربة إنقاذ أنفسنا من الغرق والسقوط إلى القاع يجعلنا نعرف ما نحتفظ به من درر ونفائس نخبئها في أعماقنا لنعلم أن في كل إغفاءة للحظ فرصة لحظ جديد ذلك الذي يتحقق لمن يؤمن أن الضربة التي لم تقتله كانت كريمة لتجعله أقوى ولمن يعرف أن التجارب القاسية والفاشلة هي أهم الخطوات المؤدية للنجاح وأن النجاح الأبدي والطرق الممهدة لم تعطه أي فرصة لأدراك خفاياه التي تختبئ خلف الرتابة والتكرار وأن في كل مغامرة جديدة لتحقيق الذات نقطة انطلاقة لسهم قوى يمكن أن يستقر في قلب الهدف ويحققه.
لذلك فأننا نحتاج في كل فترة إلى التوقف لنرصد ما تركناه من تجارب خلف ظهورنا ونتطلع إلى الخطوات القادمة التي يجب أن تخرج من حيز العشوائية إلى حالة من التركيز لقراءة الخطوات القادمة وهذه الثقافة التي يجب أن تنتقل إلى الأجيال التي قد تظن أنها عندما تنهي مرحلة التعليم والخروج للحياة العملية بأنها قطعت شوطا كبيرا من تجاوز المصاعب وهي لا تعلم أن التعليم هو أول سلالم الصعود نحو الأهداف التي لا يمكن أن تحقق إلا عندما نمتلك ثقافة " صناعة الأهداف" وخوض غمار التجارب الصعبة والقصص المستحيلة لنجد في أنفسنا قدرات لم نكن نعرفها عن أنفسنا.
إنها الأحاديث الهامسة التي نقولها لأنفسنا ونكررها ونحن نقرر في كل مرحلة كيف يمكن أن نمضي في الطريق أم أننا نحتاج إلى استخدام أدوات أكثر تأثيرا أن هناك حاجة ماسة لتغيير الطريق أصلا أو البحث عن خطط بديلة لإكمال مشوار الحياة وتجاربها كي لا نسمح لهذه الأحداث أن تتحول إلى مصدر رعب وخوف على مصيرنا المجهول وإنما يجب أن تخلق في ذواتنا حالة الاستفزاز للدخول إلى تحد جديد والتعلق في حبل أخر لعبور الوحول والغابات الموحشة وعدم التشبث بالأفكار والحبال المترهلة ومواجهة مخاوف التغيير إلى نقطة انطلاق جديدة عنوانها الثقة بالنفس والبحث عن الطاقات الكامنة والتي لا يمكن أن تولد من نبض متخاذل أو من حالة انتظار "قدر" وأنها بحاجة إلى اصطياد فكرة مختلفة لتحقيق هدف مختلف.

ضمير افتراضي

ا بين الواقعي والافتراضي خيوط يمكن أن تتشابك قصتها لتحكم دائرتها المغلقة على "الإنسان الحديث" الذي تداخلت أوراق أفكاره ما بين عالمين أحدهما ملموس والآخر مساحة لا محدودة يصعب وصفها أو لمسها لكونها قد تتجاوز الخيال أحيانا وقد ترتد إلى شخوص العالم الواقعي أحيانا أخرى، ليدخل كل منا مدينته الخاصة ويغلق الباب خلفه ويعيش حالته الخاصة كموجود يعبر عن أفكاره ومشاعره ومنطقه المختلف في جدلية التلاقي ما بين الواقع والخيال بعد أن استطاعت التقنية الحديثة بفعل قدرات الإنسان واختراعاته الفذة أن تخلق لكل منا عالما متفردا دون أن يحتاج للذهاب إلى المريخ في مركبته الفضائية، أو أن يتقدم إلى وكالة ناسا للصعود إلى الفضاء لأن العالم بكل صوره ولوحاته الاجتماعية والفكرية والثقافية انتقل إليه ليتمكن أن يصل إلى آخر نقطة من اللاحدود فيعرض وجهة نظره، أو قد يعترض ويتحاور بل لقد تجاوز هذه الأفعال إلى أخرى يقوم خلالها بالنقد والاعتراض والتعدي والقيام بفعل التجاوز على الآخرين والتعليق بما يعرف ومالا يعرف وقد يغمض عينيه ويقص ويلصق دون أن يكلف نفسه عناء القراءة ومعرفة ما خلف السطور.
وعلى الرغم من عدم تهيئة الأجيال الجديدة لهذا الزخم التقني العظيم الذي أغرق العالم بالجديد والمبتكر في وسائل التواصل الاجتماعي التي فاقت تصور الإنسان في إمكانياتها في الربط بين أقطاب العالم، إلا أن هذا الجيل استطاع الانسجام مع هذه النقلة النوعية في وسائل الاتصالات من الناحية التقنية أما عن المحتوى الاجتماعي والثقافي فهو لا يزال بحاجة إلى نظرة واعية يتم عند الدخول إلى هذا المجال بوعي حتى لا تتسبب هذه الوسائل في حصاد ذنوب افتراضية قد يظن البعض أنها غير مؤثرة وأنها تخص عالما آخر لا يمت إلى الواقع بصلة، ولعل قوانين الجرائم الإلكترونية والعقوبات التي تفرضها هذه الجهات الأمنية لهي أكبر دليل على ارتكاب الذنوب الافتراضية حيث يمكن أن يرتكبها الشخص دون أن يغادر مقعده أو سريره عندما يجند طاقاته ضد الإنسانية أو ضد القيم أو المبادئ أو عندما يختبئ خلف أسماء مستعارة لتحقيق أجندات يعرفها ولا يعرفها في غفلة من نوم الضمير، والتعاطي مع هذه التقنية وكأنها من صنع الخيال وكأنه يحق له أن يفعل ما يريد وأن يجرح بالكلمات أو أن يتعدى بالألفاظ أو أن يشهر أو يستولي ويخترق هذا المجال ثم يغلق أجهزته ويرقد دون أن يهتز جفنه، ودون أن يعلم أن عقوبة مثل هذه الذنوب لا تختلف عن عقوبة الذنوب الواقعية في الدنيا والآخرة لكون نتائج هذه التصرفات قد تكون متساوية في ناتج الإيذاء أو التخريب، مما يعيدنا إلى المربع الأول ومن أول الخطوات في هذه الحياة التي تستدعي الحذر من ارتكاب مثل هذه الذنوب، لأن نتائجها لا يمكن أن تظل افتراضية وإنما يمكن أن تكون عواقبها أشد وطأة من الذنوب الواقعية لسرعة وسهولة تحقيقها في عالم تداخلت فيه القيم التي تستدعي وقفة ضمير افتراضي يحاسب نفسه كي لا يغفل عن مثل الاختراقات وهو يظن أنه يحسن صنعا.

اخر التعليقات