بعشر بنفسجات ...أكتب

للكتابة ترف مختلف فهي العمل الأكثر نموذجية لإحداث الفارق الذي طلبه الأديب نزار قباني للتمييز بين رأس الإنسان , وحبة الفاصولياء هذه الحبة المحكومة بقوانين فصيلتها النباتية , و لا تستطيع التمرد عليها وتجاوزها , ولا على إحداث انقلاب يغير مجرى حياتها فهي بذات الشكل والأوراق والطعم , تولد وتكبر وتموت بنفس الطريقة , في حين يظل رأس الإنسان صندوق سحري مليء بالاحتمالات والمفاجاءات, شبيها برحم الأرض , لا تعرف ماذا يخرج منها ؟ فهو يبدع , ويجدد ,ويتمرد .
والكتابة احد أساليب الإنسان في التميز عن حبه الفاصولياء الرتيبة, حينما يعيش الكاتب حاله البحث عن الذات, وتشريح القلب والعقل بأدوات غير اعتيادية فعندما يستخدم الجراح المشارط , والمقصات لإجراء عمليه جراحية تتغلغل فيها أدواته إلى كل خليه من خلايا الإنسان يستخدم الكاتب عشر بنفسجات لتشريح مشاعره , وأفكاره على الورق الأبيض مع الاحتفاظ بالفارق الشاسع بين عملية تسيل فيها الدماء ويتشارك فيها الأطباء, والممرضين لإنهاء المواجع , والألم في غرفة العمليات ’ واستخدام الضمادات و القطن , والأدوية والمسكنات.
ينما في حالة التشريح الثانية تتم العملية بشكل نظيف في غرفة عمليات لا يسكنها سوى بطل واحد يقوم بتشريح قلبه ورصد مشاعره وحصيلة تجاربه أو وضع مشاعر الآخرين , وهمومهم على سرير الورق , فتتم العملية بدون دماء, في لحظة تلملم فيها الروح أوجاعها بصمت , بينما يقوم الكاتب برصد أدق تفاصيل خيوط الأفكار ينسج منها حكايته , وهو ينحت معالمها على الورق, ثم يقوم لينفض رأسه من غبار التجربة , ليستقبل تجربه أخرى لعمليه جراحية في أدق زوايا الوجدان , يتم خلالها استئصال ما ترمد في الروح من مواجع فبثها في رسائل شعرية , وقصصية , ومقالية , وأدبية تبعا لنوع العملية الجراحية التي تنتهي بحرفي ااه ... وبزفرة هواء يصعد خارج القلب.
الكتابة بكل أشكالها وألوانها وتعدديتها , عمل يستهدف تغيير هندسة الكون والإنسان وتغيير نظرته نحو الأشياء , فالكاتب يحرض العقول ويستفز المشاعر نحو الانعتاق , والتحليق معه في رحلة أخاذة في فضاءات دهشة الأسئلة , وعلى حواف الأوراق الجارحة , والى الغابات الموحشة دون أي ضمانات بعودة عقله من هذه الرحلة كما كان , إنها الضوء الذي تسقطه على كتلة مظلمة فتبهر العيون بمعارك اشد ضراوة من القنابل النووية .إنها حرب الحروف ضد القبح والألم والتنازل, والرد الشرس على البشاعة في منطقة تتخلص من الحيادية من رمادية الألوان إلى حتميتها . ولكل كاتب لونه الذي يليق بحروفه وصورة المشرعة التي يبثها أو قد ينوب عن غيره في تصويرها .
اخترت لكم حروفي البنفسجية لتنقل زهوي إليكم, وعطر حروفي علها تحمل إلى قلوبكم , رحلة أخاذة إلى مدن البنفسج فتنبت في أرواحكم ألف بنفسجه تكفيكم للحياة .