الثلاثاء، 25 ديسمبر 2018

بأقل التكاليف...

ما بين متلازمة الحلقة المفرغة، والمربع الناقص، والقطب الأضعف نظل نفتش عما ينقصنا وسط جزيرة من المتلازمات، أو القناعات التي قد تكون بمثابة سجون أبدية نكون فيها “السجن والسجان في ذات الوقت ” وقد يمر العمر، ونحن في حالة الركض المستمر لملء الفراغات، وإكمال الصور الناقصة، وإضافة المكعب الأخير في صورة تحتاج أن نضحك كي تصبح ” حلوة ومتكاملة”، بينما قد لا ندرك في قراره أنفسنا أنه ليس بالضرورة أن نظهر بالشكل الذي نتطلع إليه من أبجديات الكمال الذي قد لا يكون إلا لله وحده، بينما قد يمر العمر سريعا، وتنقضي أيامه أو تتشابه بينما يبحث كلا منا عما يسد به فجوة معتقداته بأنه يحتاج إلى أمور متعددة كي يتكامل، دون أن يعرف انه وحدة لا يمكن أن يحقق هذه الفلسفة، وأنه بحاجة لان يكمل المربعات مع غيره لكتابة “لغة الدهشة” التي نلاحقها في كل الطرقات، بينما لو فكرنا ببساطة لوجدنا أننا يمكن أن نعيش سعداء دون أن نكمل كافة المربعات، وأننا بحاجة للآخرين كي يكملوا نقصنا فالطبيب بحاجة لعامل البناء وللسباك والكهربائي، وبسطاء آخرين وأشخاص مهنيين هم بالفعل مكملين لنا فلا يعقل أن يكون المجتمع بأكمله يحمل شهادات عليا إننا بحاجة إلى هذا الفارق الهام في خفض تكاليف الأحلام والدخول الى قاعدة التكامل مع الاخرين.
لندرك انه بالإمكان يمكن أن نسعد بتناول وجبه متواضعة، وبسيطة في أي مكان، وقد لا نحتاج إلى سيارة فارهة كي نقضي مشاويرنا، ولا إلى حفل زفاف باهظ التكاليف لإثبات فرحتنا، أو ملابس لماركات عالمية وعطور فرنسية لتحقيق السعادة.
إن الأحلام البسيطة قد تجلب السعادة بشكل قد يتفوق على الأحلام التي لا سقف لها، والتي قد تستغرق منا عمرا بأكمله ونحن نلهث خلفها، وقد لا تتحقق، وكلما تقدمنا في العمر، ونظرنا خلفنا أدركنا أنه كان بإمكاننا اختصار حالة الهدر لأنفسنا، وأفكارنا التي كنا نظنها فذة، لنصل في نهاية النفق إلى قناعة كبيرة، أن كل ما فعلناه بكلفة كبيرة كنا نستطيع أن لا ندفع ثمنه ساعات أوقاتنا الثمينة التي قضيناها في تغليف أيامنا بورق السولوفان، وبالإضاءات البراقة، وشرائط الورد، ونسينا أن أجمل اللحظات يمكننا أن نعيشها على ضوء شمعه خافته، وأن أجمل الأزهار يمكن أن تنمو من بين مفاصل الصخور دون أن تعيش تعقيدات وتكاليف الري والسقاية، وان علينا أن نكف عن ملاحقة الصورة المبهرة للحياة، فأجمل المواعيد تلك التي تأتي مصادفة دون أن ترتب لها، أو ترتدي ملابسك الرسمية، ودون أن تحرم نفسك فرصة التعرف على بديهية الأشياء دون مراسم وطقوس، وأن تكون حرا بملابسك المريحة، ونظراتك الواعدة في البحث عن لحظة ارتياح قد لا تتطلب أية تكاليف وقد تسعدك ببساطتها لعمر أخر دون أن تدفع لأجلها فلسا واحدا.

الاثنين، 27 أغسطس 2018

ضمير افتراضي

ما بين الواقعي والافتراضي خيوط يمكن أن تتشابك قصتها لتحكم دائرتها المغلقة على "الإنسان الحديث" الذي تداخلت أوراق أفكاره ما بين عالمين أحدهما ملموس والآخر مساحة لا محدودة يصعب وصفها أو لمسها لكونها قد تتجاوز الخيال أحيانا وقد ترتد إلى شخوص العالم الواقعي أحيانا أخرى، ليدخل كل منا مدينته الخاصة ويغلق الباب خلفه ويعيش حالته الخاصة كموجود يعبر عن أفكاره ومشاعره ومنطقه المختلف في جدلية التلاقي ما بين الواقع والخيال بعد أن استطاعت التقنية الحديثة بفعل قدرات الإنسان واختراعاته الفذة أن تخلق لكل منا عالما متفردا دون أن يحتاج للذهاب إلى المريخ في مركبته الفضائية، أو أن يتقدم إلى وكالة ناسا للصعود إلى الفضاء لأن العالم بكل صوره ولوحاته الاجتماعية والفكرية والثقافية انتقل إليه ليتمكن أن يصل إلى آخر نقطة من اللاحدود فيعرض وجهة نظره، أو قد يعترض ويتحاور بل لقد تجاوز هذه الأفعال إلى أخرى يقوم خلالها بالنقد والاعتراض والتعدي والقيام بفعل التجاوز على الآخرين والتعليق بما يعرف ومالا يعرف وقد يغمض عينيه ويقص ويلصق دون أن يكلف نفسه عناء القراءة ومعرفة ما خلف السطور.
وعلى الرغم من عدم تهيئة الأجيال الجديدة لهذا الزخم التقني العظيم الذي أغرق العالم بالجديد والمبتكر في وسائل التواصل الاجتماعي التي فاقت تصور الإنسان في إمكانياتها في الربط بين أقطاب العالم، إلا أن هذا الجيل استطاع الانسجام مع هذه النقلة النوعية في وسائل الاتصالات من الناحية التقنية أما عن المحتوى الاجتماعي والثقافي فهو لا يزال بحاجة إلى نظرة واعية يتم عند الدخول إلى هذا المجال بوعي حتى لا تتسبب هذه الوسائل في حصاد ذنوب افتراضية قد يظن البعض أنها غير مؤثرة وأنها تخص عالما آخر لا يمت إلى الواقع بصلة، ولعل قوانين الجرائم الإلكترونية والعقوبات التي تفرضها هذه الجهات الأمنية لهي أكبر دليل على ارتكاب الذنوب الافتراضية حيث يمكن أن يرتكبها الشخص دون أن يغادر مقعده أو سريره عندما يجند طاقاته ضد الإنسانية أو ضد القيم أو المبادئ أو عندما يختبئ خلف أسماء مستعارة لتحقيق أجندات يعرفها ولا يعرفها في غفلة من نوم الضمير، والتعاطي مع هذه التقنية وكأنها من صنع الخيال وكأنه يحق له أن يفعل ما يريد وأن يجرح بالكلمات أو أن يتعدى بالألفاظ أو أن يشهر أو يستولي ويخترق هذا المجال ثم يغلق أجهزته ويرقد دون أن يهتز جفنه، ودون أن يعلم أن عقوبة مثل هذه الذنوب لا تختلف عن عقوبة الذنوب الواقعية في الدنيا والآخرة لكون نتائج هذه التصرفات قد تكون متساوية في ناتج الإيذاء أو التخريب، مما يعيدنا إلى المربع الأول ومن أول الخطوات في هذه الحياة التي تستدعي الحذر من ارتكاب مثل هذه الذنوب، لأن نتائجها لا يمكن أن تظل افتراضية وإنما يمكن أن تكون عواقبها أشد وطأة من الذنوب الواقعية لسرعة وسهولة تحقيقها في عالم تداخلت فيه القيم التي تستدعي وقفة ضمير افتراضي يحاسب نفسه كي لا يغفل عن مثل الاختراقات وهو يظن أنه يحسن صنعا.

شجاعة التأقلم

عندما تتعثر خطاك وتسقط ثم تعود لتقف من جديد "لا تغضب" لأنك ستتعلم من هذه التجربة البسيطة اعتياد الحذر ودروس أخرى لا تخرج من كهوف الانعزال والسير بخطى واثقة على سجادة مخملية صنعها خيالك من حرير الأمنيات , وإنما قد يلقنك الفشل دروسا لا يمكن أن تحصل عليها من التجارب المكررة للنجاح الذي يجب أن لا يقنعك أن سلمه عبارة عن طريق مفروش بالزهور وانك يمكن أن تسير أينما شئت وكيفما شئت بدون ! سيعلمك أن تدرس خطواتك بما يجعلك تعرف أن الطريق مزروع بألغام المفاجآت التي يجب أن تحذرها قدمك حتى لا تؤدي إلى انفجارات مدوية تحتاج بعدها إلى فترة طويلة لإصلاح ما انعطب من الوجدان الذي يحدثك عن الأيام وأنها لا يمكن أن تظل في خطها المستقيم للأبد وإنما تتغير مجرياتها وطقوسها ما بين الحار والبارد والمعتدل لتدرك من هذا الاختلاف الفارق الذي يجعلك تجد في كل منها ما يروق لك وتحبه منها على أن تعود ذاتك في كل منعطف أن تسألها عن أسوأ ما يمكن أن يحدث أو ما يتطلب منك أن تتأقلم معه؟ وبهذا السؤال الصعب يمكنك أن تستوعب المرحلة القادمة وأن لا شئ سيتوقف لأجل هزيمتك.... لا الحياة ستنشغل بمواساتك ولا كل الوجوه التي تتراقص من حولك ستظل على وفائها , ولا حتى يمكن لأفكارك أن تظل محكومة بالمؤبد معك 
وإنما يجب أن تكتب سطور سعادتك وتخرج معانيها من قاموسك الخاص ومن وجدانك الذي يجعلك أن تتقبل مرضك أو هزيمتك أو تغير نمط حياتك أو فقدان أحد أعضاءك أو التخلي عن ذراعك أو ساقك أو عجزك وأن تتحلى بشجاعة التأقلم مع ابتكار عناصر التعويض تلك التي نراها في القصص الغير متوقعة للمتأقلمين الذين عاشوا أسوأ ما يمكن أن يحدث سواء بحرمانهم مما يحبون أو بفقدانهم لحريتهم أو لأهم الشموع المضيئة في حياتهم وبعد مرحلة قصيرة أو طويلة تظهر "معاني الإرادة " التي يصعب أن تقهر فتراه يعمل بيد واحدة أو بدون أصابع ويبدع ويكتب ويرسم ويعمل ويوجد كل السبل المؤدية للحياة رغم اعاقته بعد أن يتجاوز خطوط الاختبارات الصعبة ويبدأ في دراسة جدولة حياته وإعادة تفصيلها لكي تكون على مقاس مستجداته بعد أن توقف عن النظر إلى الخلف وأمعن التفكير فيما هو أمامه بصناعه هدف يخترقه سهم التحدي وما يتطلبه من نظرة ثاقبة بعيدة عن البكائيات واسترجاع الماضي فهل سمعت عن شخص يدل طريق الوصول وهو ينظر خلفه؟ إنها المرحلة التي تتطلب التوقف عن البحث عن حيثيات العلاقة بين التنازل والتأقلم فكل ما لا نتوقعه يمكن أن يحدث والغريب إننا يمكننا أن نتقبله ونتعايش معه وكأننا مارسناه طوال أعمارنا وذلك لما أودعه الله في النفس الإنسانية من طاقات لا تقهر فتخرج الإبداعات الفذة من المحن والتي يمكن أن تكون نعمة كبيرة تعوض الإنسان عما فقده خلال التجربة والتي لولاها لما اكتشف هذه الطاقات والقدرات الكامنة فيه وجعلت منه نموذج مشرف "لتجربة ارادة "لا تتكرر دائما.

فكرة غير مستهلكة للصيد

لا تعطني سمكة بل #علمني_ كيف _أصطاد، هكذا قالت الحكمة التي قرنت احتراف الصيد بفضيلة الصبر والقدرة على كسب العيش، وهي التجربة التي تحدث عنها المؤلف دايل كارنيجي، عندما قال "من هواياتي أن أصطاد السمك، وبمقدوري أن أجعل الطُعم الذي أثبته في الصنارة أفخر أنواع الأطعمة، لكني أفضل استعمالي طعوم الديدان على الدوام ذلك أنني لا أخضع في انتقاء الطعوم إلى رغبتي الخاصة فالسمك هو الذي سيلتهم الطُعم.. وهو يفضل الديدان فإذا أردت اصطياده قدَّمت له ما يرغب فيه، ولعل فكرة الاصطياد بحد ذاتها تحتاج إلى أن تترجم في واقعنا الحالي إلى العديد من المفارقات التي يمكن أن تشمل المتغيرات التي تحملها هذه الفكرة إيجابا وسلبا فهي يجب أن لا تقف عند حدود الصنارة والشبكة والأسماك، وإنما يمكن أن تتجاوزها إلى صيد الأفكار والفوائد والمعلومات والقدرة الذهنية على الوصول إلى تحقيق طريقة فذة في الكتابة أو في العمل من خلال رؤية خلاقة يمكن أن تتحقق من خلال التقاط الفرصة المضيئة التي قد لا تتكرر التي تجعلك تصرخ بعد طول انتظار "وجدتها".
وفي مضمون الاصطياد العديد من الجوانب التي يمكن أن نحصل عليها عندما نجند طاقاتنا للاستفادة من "مدرسة الصيد" التي ليست لها علاقة بالمادة أو عمليات النصب والاحتيال باعتبارها تتعامل مع الإنسان بصفته "صيد ثمين" يمكن استغلاله، وإنما يمكن أن نوجه الفكرة نحو طاقاتنا الإيجابية وكوامن الذات التي يمكن أن نحصل عليها من خلال التركيز في مجريات الحياة وتمعن ما فيها من عبرٍ وقصص يمكن أن تختصر فيها التجارب والقصص إلى عبرٍ وقناعات جديدة يمكن أن يتوالد منها طعم يغوي أسماك الحياة لكي تدخل إلى تجربة الاصطياد لنصل إلى الربح، فهناك نماذج في الحياة مبنية على تحمل تبعات الصيد وذكاء اختيار الطعم والعلاقة بين كافة أدوات الصيد وتضافرها للوصول إلى تحقيق الأهداف من خلال تبديل الأدوات وتكرار المحاولة للوصول إلى شعور ما أو وظيفة أو كفاءة وخبرة لا يمكن أن تنبت كالعشب فجأة وتتمدد على الأرض دون أي مقدمات، إنها لذة الوصول إلى مجهول كنت تنتظره ونتيجة غير متوقعة للصيد في الماء المالح أو في الينابيع العذبة.
يقول الجاحظ: الأفكار ملقاة على قارعة الطريق المهم كيف نتناولها؛ والجاحظ حينما يجعل المعاني مطروحة في الطريق فهذا يعني ملكية الجميع لها كالماء والهواء. ولكن العبرة في الفكر الإنساني حول كل ما هو متاح ومملوك للجميع فهناك في النهاية صيد اسمه المجهول الذي نتلذذ بانتظاره دون أن نعرفه ذلك الذي يحفزنا إلى تحمل متاعب الريح وهدير الموج في سبيل الوصول بينما يكسل البعض حتى عن مجرد البحث عن فكرة أو تغيير فهو يريد أن يحصل على الصيد السهل دون أن يبذل أي مجهود ليظل يعيش حياته كلها يبحث عمن يقوم بالجهد مستسيغا فكرة الحلول والأفكار والنتائج الجاهزة فاقدا الحماس هاربا نحو فلسفة الارتياح التي لا يمكن أن تحقق له ما يمكن أن يشعر به الصياد عندما يمسك بالسمكة ويعود ليكرر تجربة الصبر وهو يشعر بلذة الوصول إلى فكرة غير مستهلكة للصيد.

مشاعر موسمية

هل يمكن أن تتشابه مشاعرنا مع المواسم وفصولها الأربع بردها , وصيفها , وخريفها وشتاءها ؟وهل يمكن أن تكون بعض حالات اللهفة أشبة بنوبات الزكام , والأنفلونزا الموسمية؟ أو بطفح جلدي مباغت يظهر لمدة معينة ثم ينتهي كل شئ !
نعم إن هذه التغيرات التي تعصف بالكون تدخل أيضا إلى عوالم البشر لتؤثر على العلاقات التي نحاول المحافظة عليها للأبد , ولكنها تتسرب كالماء من بين أيدينا شيئا فشيئا , وأحيانا نفقدها في لحظة اختلاف أو تغيير إنها الحالة المعقدة للشعور التي تعتمد في أساسها على أسباب غير مفهومة فهي تشبه المتغيرات الكونية التي تحدث فجأة ، فتأتي بدون مبررات وقد تختار الرحيل أيضا دون أي تنبيهات , أو إنذارات مبكرة بحيث يصعب السيطرة عليها , وكأنها عملية كيميائية أو فيزيائية تربط أشياء غير محسوسة في ذواتنا , وتغلغل في أعماقنا , وتتغير بمجرد وجود أي هزة بسيطة في الحالة الشعورية التي تعترينا وقد تعيدنا إلى نقطة أولى في سطر أي علاقة لنتذكر فلسفة البدايات والنهايات ,و مشاعر التعايش التي يمكن أن تعبر عن شعور لحظة اختفت من الوجود , أو حالة مختلفة ومزمنة استمرت لمسافة عمر.
إننا نحتاج كبشر ننتمي إلى لحظات إنسانية معلنة وأن نعود لنخبئ مشاعرنا خلف برود اللامبالاة كي لا نبدو ضعفاء أمام الآخرين إن هذه الأحاسيس هي السبب الأول لتشكل إنسانيتنا وبحار أفكارنا وموانئ الأمان التي يبحث عنها كل منا في عالم اللاوعي عندما يجلس مع ذاته ليسألها عن سبب خسارة شعور ما , أو كسب بهجة هطلت كالإمطار على قلبه فهل يمكننا أن نقول إن الحب أو المشاعر الناعمة هي نقطة الضعف الإنسانية التي نكابر أنفسنا إمامها أم أنها لحظات عابرة نعيشها لفترة من الزمن ليخطفنا العمر في لهاث , وركض خلف الماديات , وسط التزامات الأسرة والعمل , ومتطلبات الحياة فلا نجد وقت لنسأل عما تبعثر منا خلال الرحلة من عواطف هي الركن الأساسي في كينونة البشر حيث ينبت سؤال هارب من أمواج الانشغال ليسأل عن وجود إنساني سقط من قطار العمر عن كتاب ذكريات لإنسان كان يقف هنا , وينظر إلى الحياة بطريقة أخرى , ويعود ليقرأ في أجندة الوجوه حالة غريبة من المواسم لمشاعر ربيعية حافظ عليها بعض منا بينما استسلم الكثيرين لرحلة الخريف , والجدب بل ووصل البعض إلى حالة من الموت , والتصحر والجفاف , واللامبالاة وخسروا أهم قيمة إنسانية يمكن أن نبقى لأجلها ألا وهي "الشعور " الذي تطاير مع رتابة الوقت وتراكم الصمت الرهيب بين السطور.

حوار مع وجهة نظر

في علاقة التأثير ، والتأثر دائما ما تظهر قصة كرة الثلج الصغيرة التي سرعان ما تتدحرج من أعلى المنحدرات، بكل ثقلها وحجمها لتكبر وهي محملة بالتجارب التي خاضتها خلال الرحلة، ويستخدم هذا المصطلح في "علم الاجتماع" غالبًا للتعبير عن تضخم الحدث، كما يشير إلى سرعة تطوره، وهذا ما نراه اليوم من سرعة انطلاق، وسائل التواصل الحديثة التي دخلت إلى حياتنا محملة بالتجارب الغنية أحيانا والفقيرة أحيانا أخرى، وعلى الرغم من كل ما حملته قصة تدحرج هذه الكرة من معاناة ومتاعب خلال الرحلة إلا أنها بلا شك خرجت محملة بالكثير من الجوانب الإبداعية لأشخاص مغمورين خلف ستائر الظروف الاجتماعية ، والنسيان أو الانطوائية.
فبينما كان الجيل السابق يبحث عن أي وسيلة إعلامية أو نافذة يطل منها نحو الغد ويعبر من خلالها عن نفسه بحث الجيل الجديد لصياغة أفكار جديدة ليفلت خيوط أفكاره من بكرة التبعية لما كان وينطلق نحو الفضاء الرحب ليصل إلى ما يمكن أن يكون، ولذلك نرى عصافير الجيل الجديد وهي تحلق بحرية بعد أن أشرع أمامها الفضاء الإلكتروني، وفتحت أمامها كافة النوافذ كي تعبر عن قدراتها فلم تعد الوسائل الإعلامية التقليدية هي المسوغ الوحيد لوضع ختم الإبداع، ولكننا الآن أمام جيل جديد يستطيع أن يسمع صوته للعالم وأن يقدم تجربته الفنية أو الأدبية أو الابتكارية دون الحاجة إلى حراس أو منظرين فما عليه سوى أن يختار أدواته، وكيفية صياغة المنتج الإبداعي والشكل الحضاري لخروجه إلى السطح وتسلقه سلم النجاح والانطلاق إلى حيث يريد.
وتعتبر إشكاليات القدرة على التعبير أو الوصول إلى تكوين صورة واضحة عن أهم مميزاتنا وكوامننا، التي كان يكتنفها الغموض تجاه أنفسنا قبل أن تكون تجاه الآخرين أهم ما نحتاج إليه مما يستدعي مسألة حوارية نناقش فيها ذواتنا التي نحتاج أن نعرفها ونغوص فيها، لنتمكن من كتابة سطورنا الحقيقية، وهذا ما يمكن أن يتلمسه المحاور مع جيل الشباب الذي خرج من لغة التأتاة إلى مفردات التحدي عبر رؤية مختلفة وجديدة يمكنه من خلالها أن يقول ما لم يكن متاحا للأجيال السابقة ومن هنا يمكننا أن نجد إعلاميين في كل مكان بلغات إعلامية، وأعمار مختلفة منها الراقي ومنها المتحضر ومنها الذي يعاني من الحشو والإسفاف وكأن اللغة ذات التعددية ملأت شوارعنا ومواقعنا الإلكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعي بما يؤكد وجود عيون ناقدة، وساهرة تتقن نقل الحدث، وترفع جاهزية المعرفة إلى أقصى درجة بما يستدعي أن نعيد النظر في آلية التحاور مع جيل رفض أن يستنشق الهواء من خلال الشقوق، وقرر أن يشرع نوافذه للمدى، ويحلق عاليا بكل إصرار وعزيمة، وهو لا ينتظر منها سوى التشجيع والمساندة وتقبل الأفكار التي تعزز هويته لإيجاد حالة إثبات عكسي لكل قناعاتنا بما يستدعي أحيانا قلب الطاولة، وإزاحة اللوحات التقليدية عن الجدران، وفرض إضاءة احترافية لرؤية أخرى تعزز الجانب المفقود في حياة تستحق منا أن ننظر إليها من وجهة نظر جيل جديد.

من زاوية خاصة

إنها اللقطة التي تأخذها من زاويتك الخاصة فقد تتجاهل فيها حائطاً جانبياً أو إضاءة خافتة، أو بقايا عبث منزلي ونفايات قريبة، وربما قد تقرر التركيز على رصد حشرة عابرة أو عصفور طائر أو لحظة لانكسار المرايا أو لقطة لحالة إنسانية مع أنك لو غيرت قليلا في زاوية الصورة قد ترصد التفات الكاميرا إلى مشهد مختلف تماما وقد يكون مخالفاً للصورة الأولى.
كل هذه المشاهد صارت توثقها شهقة الكاميرات قبل أن تطلق زفيرها وتبث الصور في كل مكان من حياتنا بلمج البصر. بما يستدعي أن نعترف أننا أصبحنا متلبسين "بثقافة الصورة" التي بدأت تغزو عالمنا المتحضر، والذي صرنا نعيشه محاصرين بلغة جديدة لحوار آخر مع البيئة المحيطة ففي كل مكان تتوقعه أو لا تتوقعه يختبئ قناص يقوم باصطياد اللقطة من زوايا متعددة في حالة مقنعة ابتكرناها لتحقيق أهدافنا في توثيق الأحداث، أو اختراق للخصوصية أو البحث عن ألبوم لذكريات عابرة قد نحتاج أن نعود إليها لنتذكر ملامحنا.
وفي كل الأحوال وصفت الصورة بأنها أبلغ من الكلام، فهي جاهزة للوصف التعبير بصمت في موعد يطلق عليه في بعض الأحيان "عصر الصورة"، والتي صار الحصول عليها في توقيت بسيط لحالة من الاستباحة والاختزال الكامل لكل ما يجري في هذا الكون في "صورة" يمكن أن تتصفحها لتقرأ الواقع بصمت ثم تقرر قناعاتك، بينما تتكاثر الصور واللقطات في كل اتجاه بما يحتم علينا عدم اعتبار هذه المقاطع أو الصور من المسلمات التي لا تقبل النقاش، وإنما أصبح من المهم لنا التّفكير في كيفية وإمكانية استغلال هذه الصّورة، ومعرفة المغزى منها، وأن نحتفظ بما تبقى من قناعاتنا بأن هناك تقنيات عديدة يمكن أن تزيف الحقائق وإننا ما زلنا بحاجة لتحليل محتواها ومضمونها، إذ إنّ ثقافة الصّورة أصبحت تتعدى مجرّد النّظر إليها، أو طلب ابتسامة جماعية من خلف العدسة "اضحك الصورة تطلع حلوة"، لأن القصة تجاوزت فكرة توثيق اللقاءات والذكريات وتعليق الصور على الجدران إلى العمل الإعلامي والإخباري المنظم الذي لا يحتاج إلى سذاجة التفكير، وإنما إلى البحث والتحليل، والتعمق لأن هناك رسائل إعلامية وإخبارية أصبحت تنطلق من حواف الصور، مما يتطلب توفر حالة من الوعي وقراءة واقع التّحول في عالم الصّور وأصبح لها تأثير جذري على كل ما يحيط بنا، إننا نعيش حالة من الاختلاف الجذريّ في النّظر للصورة وثقافتها، فبعد أن كان التّصوير الفوتوغرافي من أصدق الوسائل للتعبير عن الواقع والأحداث أصبح بفضل التّكنولوجيا الرقمية من أخطر وسائل التعبير التي تحتاج إلى وعي بفكرة الزوايا الخاصة وتاريخ التصوير ومكانه ومصداقية اللقطة، والأهداف التي تقف خلفها والتي لم تعد تحتاج إلى فئة معينة أو إلى تدريب احترافي، وإنما أصبحت في متناول الجميع، وأصبحنا نرى الأحداث في لحظة تكونها وبشكل فوري بعد أن تقلّصت الفترة الزّمنية بين وقوع الحدث وبين رؤيته، وأصبحت الصّورة لغةً شعبية، وبدأنا نعيش عالماً تُهيمن عليه الصّور الإلكترونيّة لتنقل الصّورة حسب رؤية من يلتقطها.
ويمكننا أن نقول إن الصّورة الأكثرُ شهرةً وجماهيريةً بين الشّعوب، كما أنها صارت تحتاج إلى رؤيةٍ جادةٍ وثاقبةٍ ونمط تربيةٍ وتعليمٍ يعتمد لغة الصّورة، ويشرح مقوماتها وأهميتها. إننا نحتاج لتثقيف أفراد مجتمعنا ورفع قدرتهم على قراءةِ الصّورة، وما وراء الصّورة بحاجة لأن يكون لدينا جيل واعٍ يحتاج لصورة مقنعة لحدث حقيقي "غير مفبرك" وأن يكون لديه هذه القدرة على معرفة مصداقية صورة قد تكون قد دخلت إلى عالم المونتاج وخرجت لتقلب الحقائق بسبب أجندات غير معلومة الأهداف مما يتطلب تعزيز الوعي الإلكتروني والرقمي بالمعرفة والعلم.

اختر قيدك

هل يمكن أن تختار قيدك وتحبه؟ وهل يمكن أن يكون لك حرية الاختيار؟ لتقرر إن كنت تحب أن يكون من ورد أو من ريش أو من حرير بينما قد يفرض عليك الواقع قيدا من الفولاذ أو الشوك ذلك الذي يمكن أن يترك أثرا أبديا بين أقواس روحك وجسدك بينما يمكن أن يستقر قيد آخر في فكرك أو مشاعرك أو يعشش في زوايا ذاكرتك دون أن تملك القرار في أن تضع حدا لمد القيود التي تلاحقك للأبد، فبعضها تختاره وبعضها يختارك، وأنت تعرف أنك لن تتمكن من إجراء عملية جراحية لاستئصال قيودك الراسخة، وأنت تردد في داخلك "لابد للقيد أن ينكسر" بينما يسكنك يقين أن قيودك قد تتربى وتنمو معك.
إننا ودون أن ندري نعيش قد نكون متلبسين بقيودنا التي قد لا نتمكن من الاستدلال عليها إلا عندما نطيل الغوص في أعماقنا لنتساءل عن أسباب قبول آمر ما أو رفضه كي نتأكد أن ذلك يرجع لتلك الممانعات التي تربينا عليها واستوطنت مفاصل تفكيرنا منذ الطفولة وصارت تكبر وتنبض معنا وتشاركنا أدق تفاصيل الحياة.
ولا أقف هنا لأطالب بالحرية المطلقة التي تجعل من الإنسان محلقا طاغيا على سيطرة المجتمع ضاربا عرض الحائط، ولكني أريد أن يقف كل منا ليعرف ما له وما عليه من قيود قد يكون بعضها خفيا أو وهميا في حين يحرم نفسه من حياة مختلفة بسبب تركيبة معقدة من القيود التي تغنت بها أم كلثوم حينما قالت "ااه من قيدك أدمى معصمي ..لما ابقي عليه وما أبقى عليا"، وقد تنتابك حمى الأسئلة عن أكثر القيود سخونة على واقعك وخطواتك المترددة لتتأكد أنك قد ابتعلت طعم القيود التي تجرك خلفها لمجرد أنك تعودت عليها، وإن كنت ستركض راجعا بعد أن يطلق السجان سراحك إلى أقرب قيد تضعه في معصمك لسبب وحيد هو أنك "اعتدت على قيودك وسجانك" عندما غرست هذه القناعات في رأسك ورويتها بماء القبول دون أن تسأل نفسك كيف يمكن أن تحدث تغييرا جذريا في حالة التشابه والتكرار الذي ينتابك؟ والذي يحتاج بالتأكيد إلى أن تنظر إلى قيودك وإلى الحبال الوهمية التي تعلقت بها وعرشت عليها أوراق التقبل والاستسلام.
مما يستدعي أن تفكر للحظات عن الكيفية التي يمكن من خلالها أن تكسر قيدك وتطلق طاقاتك الإيجابية، وتمعن النظر في قدراتك التي لا يمكن أن تتحرر طالما أنت أسير لقناعات تكررها حتى تتحول إلى واقع الاستسلام المطلق بأنك لا تستطيع يقول نابليون: "من قال لا أقدر قلت له حاول، ومن قال لا أعرف قلت له تعلم، ومن قال لا أستطيع قلت له جرب".
إن القضية لا تحتاج لأكثر من قرار بخوض غمار التجربة بعيدا عن سلاسل العجز والاستسلام لتحقيق الإنجاز من خلال تطبيق نظرية رؤية مختلفة لقيد مختلف يطلق العنان للقدرات المحتجزة خلف وهم القيد.
يقول مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس: "ليس ذنبك أن تولد فقيراً، لكن ذنبك أن تموت فقيراً".

حتى لا تندم خمس مرات

عندما أرادت بروني وير (Bronnie Ware) الممرضة الأسترالية التي عملت في قسم العناية المركزة أن تجمع باقة من المعلومات عن الأمنيات الأخيرة لمن هم على فراش الموت، بعد أن كرست وقتها كي تصغي للصوت الخافت للحظات الغياب الأخير ما بين برزخ الحياة والموت.
وسجلت هذه اللحظات في كتابها "أكثر خمسة أشياء ندم عليها الراحلون"، حيث وجدت بروني أن المرضى في آخر لحظاتهم عندما يقفون على آخر حواف العمر لا يندمون على فوات مال، أو صفقة عمل أو خسارة تجارة، أو على ظلم المدير، أو تعسف زوج، بل كانت هناك أمور أخرى غير متوقعة، فقد كانت بروني تريد الوصول إلى حالة إجماع على خمسة حالات من الندم تختصر قصة الحياة فكان أول ما ندم عليه المرضى الراقدون على وسائد النسيان على التفكير والقلق حول رأي الناس بهم وعدم تمكنهم من امتلاك الشجاعة في تجاهل رأي الآخرين، فعاشوا حياة سلبية لا روح فيها منشغلين بمحاولة الحصول على تذاكر قبول من المجتمع، ومحاولة بذل كل ما في وسعهم في سبيل ذلك.
وكان الندم الثاني على عدم التعبير عن مشاعرهم خوفا من إغضاب الآخرين حيث ظلت مشاعرهم حبيسة أدراج القلوب المغلقة، بينما ندموا للمرة الثالثة على عدم إدراكهم أن السعادة قرار بأيديهم وليست بأيدي الآخرين فأجّلوه في انتظار أن تصلهم طرود مغلفة بشرائط الورد ومواعيد اللهفة، وطال الانتظار بينما كان الندم الرابع على ضياع عمرهم في اللهث خلف لقمة العيش بعد أن فوتوا فرصة البقاء مع الآباء والأمهات واللحظات الجميلة في حياة أبنائهم من أجل المزيد من الرزق خصوصا في أثناء مراحل حياتهم المتعددة.
وكان الندم الخامس على عدم امتلاك الشجاعة للمغامرة وملاحقة الأحلام والتي ظلت أحلاماً ولم تتحول إلى إنجازات، وإعطاء المشاكل في هذه الحياة أكثر من حقها.
ومن يتأمل في قصة الأمنيات الكثيرة لدى الناس يجد أن هناك تباينا كبيرا في وجهات النظر، وترتيب الأولويات ما بين من يعيشون الحياة وآخرين يراقبون من يعيشها، وقد يرجع هذا التباين إلى درجة التعليم أو إلى الثقافة والوعي بما يجب أن تكون عليه خطواتهم أو قد تكون نتيجة لما تربى عليه الإنسان من قناعات حول مصادر سعادته.
ولكن الجميع في النهاية قد يخلد إلى أفكار متقاربة حول ماهية الحياة وأهدافها وحالة الركض اليومي خلفها لمن يرغبون في تقمص أدوار الضحايا أو آخرين يعانون من اللامبالاة وما بين حالة من الاختلاف الشديد في أفكار الناس وقناعاتهم التي تسيرهم في مختلف الطرق تجد المحصلة النهائية عند الوقوف في المحطة الأخيرة والنظر إلى الخلف لإدراك ما يجب أن يتم قطفه في الحلقة الأخيرة من مسلسل العمر الذي انفلت كخيط رفيع من بكرة الحياة، مما يستوجب التفكير في الوصول إلى محطة لا يمكن فيها تعداد حالات الندم ولا يتم خلالها الشعور بحسرة وذلك في حالة واحدة فقط اسمها عند تطبيق مبدأ "الحياة" بمعنى هذه الكلمة والخروج من حالة "الأحياء الأموات"، أولئك الذين تمر عليهم حالة التشابه بين الأيام والمشاعر، والقناعات وفكرة التكرار بينما لا يتجرأ أحدهم في التفكير في الدخول إلى بوابة التغيير ليرقب زوايا أخرى في الشواطئ النائية عن ذهنه الذي كان يحتاج فقط إلى لحظة شجاعة لم يهتم بأن يصل إليها إلا بعد أن انتهت اللعبة وأطفئت الإضاءات وخيم الخفوت على كل شيء.
إنها الحقيقة تتجلى بوضوح الشمس حين يقترب الأجل ويضعف الجسد، وتنحسر الصحة، فتكون المشاعر، والعواطف هي الأغلى والأكثر أهمية فعندما ترقد على سرير الذكريات لابد وأن تتذكر أنك إنسان رأس ماله "إنسانيته وشعوره".

الأحد، 20 مايو 2018

عاصفة الكترونية

في فلسفة الانحناء أمام الريح حتى تمر العاصفة… هناك  الكثير من الجدليات والحكم  التي قدمت نصائح لفوائد عدم الوقوف بصلابة أمام الريح العاتية التي يمكن أن تكسر أعتى الأشجار القوية التي تمتد جذورها لسنوات طويلة في رحم الأرض وعلى الرغم من ذلك فإنها لا تأمن اجتثاث الريح  لان جذورها لم تشفع لها ولم تقدم  اعتذرا كافيا  عند اشتداد العاصفة فحالة الانحناء لا يجب أن تكون مستمرة حتى لا نتحول جميعا إلى علامات تتساءل عن مواعيد انتهاءها ومواعيد قدرتنا على الوقوف من جديد.
وفي المشهد الالكتروني لم أجد أي اختلاف بين العواصف الالكترونية و الواقعية أو المحسوسة والتي يمكن أن تقف أمامها لتبارز أعداءك وتقرر حينها حجم خسارتك ومدى قدرتك على الصمود بينما في العالم الافتراضي والذي يشهد حروب بأبجديات مختلفة قد يظهر فيها الأعداء وقد يختفون وفقا لمنهجية القتال الذي يمكن أن لا تتخيل أو ترى من خلاله خفافيش يمكن أن يتحدوا لأسباب مختلفة للانقضاض عليك وقد لا يجمعهم أمر أكثر من الإساءة  والتشكيك في كل ما يمثل قيمة في هذا العالم.
ولطالما شهدنا انهيارات لرموز وقعت في شباك هذه التحزبات الالكترونية  على الرغم من عدم امتلاكها لأي ميزة أو فكر وإتباعها لسياسة القطيع الذي قد يعطي الرسالة حق الرتويت ولاء لهذه المجموعات ودون أن يترك لك فرصة المواجهة أو إطلاق صفارة إنذار أو تحذيرات جوية عن سرعة الرياح ووحشية الحروف المصوبة نحوك والتي قد تخترق قلبك وقد يكون مفعولها مزلزلا نظرا لسرعة انتشارها واشتعالها في كل ما يخص حياتك إنها لا تتجاوز بعض الكلمات أو لقطة كاميرا حتى ينتهي كل شيء وتجد النيران تحيط بمزرعتك من كل مكان  انها تلك اللحظات التي قد  توصل أي منا إلى  لحظات الانكسار الالكتروني الذي لم يعد يستثني أحدا وعلى الرغم من قانون الجرائم المعلوماتية وما ينص عليه من عقوبات إلا إنني اندهش ذلك لم يوقف أو  يشكل درع حماية لمثل هذه الممارسات  والتي تقوم على مبدأ الشللية  وتأخذ أشكالا متعددة ما بين تكرار الرسائل  أو خلق رسائل جديدة لتضعها عنوانا لحراك هجومي منظم وممول من جهات غير معلومة يقوده من  لا يقرأ أصلا وإنما يستمرئ  الدخول معركة تدمير وإساءة دون أن يهتز له جفن لمجرد أن الضحية كان لديه فكرة أو وجهة نظر مختلفة مما يجعلها  تقع ضحية الإلحاح على تكرار الإساءة واستغلال أي محاولة للرد  وتحويلها إلى أداة  تلفيق وحشد كافة الدلائل و تحويلها إلى سهام تخترق قلب الضحية وبعد انتهاء العاصفة والوصول إلى السقوط  النهائي ينتهي كل شيء ويعود الخفافيش إلى مكامنهم لاختيار ضحية أخرى سقطت في شباك “قفشة  الكترونية” لا تحمي أي قيمة  أو مبدأ إنساني ولا تكترث لدمار مجتمع بأكمله  يمكن أن يكون فريسة لها.

ثقافة الشكر

عندما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش في قصيدته “لم أسمع أبدا عاشقين يقولان شكرا “وهو يتحدث في قصديته  إلى تونس الخضراء كان يريد أن يقول أن كلمات ” الشكر” في بعض الأحيان قد تكون دون” معنى” لان ما جرى هو أكبر من عبارات الشكر والكلمات فيقف كلا منا عاجزا صامتا وهو يشعر انه لا يمكن    أن يقف ليعانق الشمس أو أن يقدم معروفا لشجرة وارفة الاغصان مبتله بالماء  أو ان يغدق على  سحب السماء أو كمن يريد أن يخاطب مواقف النجاة ومراسي  الصدق والوفاء وقصص لا تتكرر دائما بينما قد تقف أمامها  الحروف والعبارات عاجزة حتى عن “الشكر “  ذلك الذي دعانا اليه ديننا الحنيف والذي يبدأ من شكر الله على عظيم فضله فيخرالانسان ساجدا لله أولا ليحمده  على ما انعم عليه من فضل وهو يشعر بصغر حجمه وعجزه عن إحصاء ما منحه الله من عظيم هباته 
إنها الحروف التي قد لا تفي معانيها ولا يستقيم سجودها أمام  عظيم فضل وكريم عطاء تلك اللحظات التي تحدث  عندما يريد أي منا تقديم شكره  إلى وطنه أو أمه أو أبوه أو معلمه أو صديقه الوفي أو لنفسه او لغيمة أسبغت عليه من فضلها  أو لورده منحته لونها او لفراشة حكت له عن تجربة الحذر من الاحتراق او  لعابر سبيل مد له يد العون ان هذه المشاعر الانسانية  تعني أن بعض حروف هذا الكلمة قد تقف صامته في حرم العطاء لكون الكلمات تظل شحيحة وغير قادرة على التعبير أو عصية على دموع الفرح المنسكب في أنية الفضل وأيما كانت كلمات الشكر ووسائل التعبير عنها بالرسائل أو بالصور أو بالعبارات  تظل نقطة  هامة في بناء العلاقات الإنسانية وفي إيصال حبال الود تلك التي يمكن أن نعبر عنها بما هو أهم من الكلمات وباقات الزهور وعلب الهدايا المغلفة فيمكنك أن تقول شكرا من خلال العبور إلى منطقة تتلاقى فيها الأرواح التي يجب أن لا ترسب في اختبار رد الجميل والذي يتجاوز عبارات الشكر إلى فعل العطاء هذه المشاعر التي يدركها من يعرفون ” ثقافة الشكر” بينما يظل آخرون في حالة القحط لاعتبار القيمة التي قدمت إليهم بأنها فرض واجب على الأطراف الأخرى فيعجزون عن الشكر ليس من قبيل عدم القدرة على التعبير عن الوفاء والشعور بالحيرة في كيفية الشكر وإنما لازدرائهم لهذا المعنى السامي الذي يتجاوزه كقيمة  أَمرَ الأنبياءُ أقوامَهم بها لكونها  سبب لحفظ النعم الموجودة، وجلبٌ للنعم المفقودة بل خرجوا الى جدليات التقليل من شأن العطاء الى كونه امر عادي لايستدعي جلبه الشكر  يقول عليشئ بن أبي طالب -رضي الله عنه-: “النعمة موصولةٌ بالشكر، والشكر يتعلّق بالمزيد، ولا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد”.. وخير من ذلك قول الحق تبارك وتعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ” ولعلني اتساءل اذا كان لدى كل منا هذة القدرة على بذل معاني الشكر ورد الجميل والاحتفاء بمن قدموا نماذج العطاء دون انتظار المقابل وحتى لا يشعرون بالخيبة أو الانكسار والندم على ما قدموه  لابد من محطة وفاء  ولابد من وقفة صمت خاصة في سياق التجلي الذي  نضعه في مذكرة الأيام التي تعيدنا الى منطقة الرجوع الى اعياد التذكر الذي لا تبدده رياح التنكر وانما يظل سحابا مثقلا بالاعتراف “فلا يشعر بالعطاء الا من يعطي “أما من يأخذ فانه يجب أن لا يعتبر ذلك منحة الهية او مكرمة من سجايا الايام  وانما يجب ان يعلم انه اكتمل بما نقص من غيره وأن غيره اثر ان يعطيه شيئا ليس من حقه وهنا لابد و أن يولد الشكر من عناقيد الوفاء التي تجاوزت الانانية الى الايثار لابد أن يخرج من شرفات استيقظت على فناجين قهوة وقطرات ماء خرجت  من أرواح اعتادت على العطاء  لتسقي الجدب فينا ولذلك فانها لا  تستحق سوى العطاء

الخميس، 22 فبراير 2018

في مدرسة الملهمين

قد يتحول البعض في حياتنا إلى سطور تنبض من كتب الإلهام أولئك الذين يمكن أن نستقي من تجاربهم وإيجابيتهم معانٍ جديدة، ونبراساً يمكن أن نهتدي به ونحن نسلك طرق الحياة الوعرة "إنهم الملهمون"، الذين يحتفظون بمعانٍ حقيقية لتجربة الحياة ويعيشون ضمن مبادئهم الإيجابية بقصصهم التي تتحرك وتتنفس، ونراها تحيا وتسير أمامنا بعيدا عن التنظير وعن عناصر التأليف وبدايات ونهايات القصص المستهلكة وسواء تصادفنا مع هذه الشخصيات أو قرأنا لها، أو رددنا أحاديثها المأثورة التي أقنعتنا أو أننا اكتفينا بقراءة ما وراء سطورها ففي نهاية المطاف سنقف لنعد آثار بصماتهم الخاصة التي أودعوها كتبهم، أو لوحاتهم أو بعضا من مفردات أو قصص تروى وكأنها كتلة من التجارب والخبرات تمشي على الأرض، وفرصة للاستفادة من غيمة مغدقة وتطبيق عملي للحياة يمكن أن تشاهده حيا مباشرا فتخرج برؤية مضيئة قد تغير مسار حياتك للأبد.
إننا بحاجة إلى حكايات ملهمة تكون وقودا لنا ومحركا لنا لنطرق أبوابا جديدة ونعرف كيف نتعامل مع منعطفات الزمن ومتغيراته، ولا أعتقد أن التعليم والحصول على الشهادات العليا من أساسيات الإلهام فقد تتعلم أفضل الدروس من أبسط الكائنات فهي ليست حكرا على بني البشر وإنما قد يلهمك إصرار السنابل أو حقول الورود أو ضوء القمر أو صفحات الليل لمعرفة أشياء لا يمكن أن تحصل عليها من مئات المؤلفات والمحاضرات وقد تستقي أفضل الخبرات من أبسط البشر ومن عابري المحطات والشوارع، ومن أبعد العناوين عن أفكارك إنك لا يمكن أن تختار أو تنتقي مصادرك الإلهامية وإنما عليك أن تتمعن جيدا فيما يمكن أن يكون خلاقا فيما هو حولك ومؤثرا في قراراتك للبحث عن سحابتك المقبلة كي تعرف الكثير عن دروب الفشل المؤدي للنجاح، وعن حواسك التي تتجاوز العشرة عندما تعد على أصابعك لتكتشف أن الروح الإنسانية ما تزال تحمل الكثير من الحواس غير المكتشفة والتي يمكن أن تشعر بها وأنت تخاطب جيوش الأفكار التي تملأ رأسك وتجعلك تخرج من فوضاك لتعرف ما في داخلك من كوامن عندما يلمع البرق في عينك في لحظة تردد فيها "وجدتها" وتعرف أنك ما زلت تتهجى أول حروفك وأنه ما يزال لديك الكثير لتكتشفه عن نفسك من خلالها.
إنها الظاهرة الإنسانية التي تجعلك تتمعن في كل ما يحيط بك لتصنع منه درسك اليومي والملهمون أنواع بحسب موقع "Sources of Insightf" المعني بتطوير المهارات، وربما تختلف تعريفاتهم قليلا عما نعرف أو نظن فمنهم الحالمون الذين يقفزون على السحب ويحاولون أن يصنعوا أقواسا من المطر وينسجون خيوطا من الأفكار التي يصعب تحقيقها فهم يملكون كل أدوات صناعة الأفكار بينما يعجزون عن تحقيقها فهم يحلقون ويقفزون دون الاكتراث بما يتحقق منها بينما يركز الفاعلون على فكرة واحدة ويبدؤون بتنفيذها، يعملون عليها كأنها الحل الوحيد في الحياة، يشعرون بالملل والهزيمة فالتنفيذ جزء رئيسي في حساباتهم ويتبسلون في الدفاع عن مبادئهم وأفكارهم بينما يظل النموذج الثالث ممن يجمعون بين الحلم والفعالية في موازنة بين هذه الأدوار هم الأجدر بنيل شرف هذا اللقب الذي يعني تحمل مسؤولية كبيرة في صناعة القدوة، وتبعات العطاء بلا حساب والقدرة على صناعة الإرادة والتدريب على مواجهة الأزمات إنهم الأشخاص الذين ترتفع درجة الحساسية لديهم بمجريات الأحداث بما يفوق مقياس ريختر لمقياس الزلازل التي تصيب النفس البشرية، وتستدعي وجود فئة تساهم في صياغة قوانين التغيير وتحمل نتائج فتح الأبواب المغلقة وصناعة عناصر المفاجأة، وتاريخ المبادرة، وهذه الشخصيات تولد من تجارب ومغامرات مؤثرة أوجدت هذه الروح التي تستقي أفكارها، وتصيغ أهدافها ومعانيها مما عاشته من ظروف إيجابية أو سلبية وتمكنت من خلالها تكوين نقلة جديدة ومؤثرة في تآلف مع مشاعر مقنعة تجعلها تخرج إلى منطقة القرار بأن تستفيد من كل ما في هذا الكون من مصادر للمعلومات، وأنسنة الأشياء، وتلمس طرق وأبجديات المرحلة والسير في خط متواز مع هذه الأولويات التي تحقق نظرة ثاقبة ومختلفة يمكن أن يصل إليها من يكتشف نفسه أولا ويقبل انعكاسات التجارب، والملهمين على حياته بعيدا عن التمسك بالبراري القاحلة تلك الولادة التي يمكن أن تخرج من رحم عشبة فرضت نفسها وتمددت على الأرض دون أن تكترث بمن يرويها، أو شجرة ألقت أوراقها الصفراء على الرصيف، أو من بكائية شاعر أو من شرود ضوء نحو الأفق البعيد، إنك بحاجة للبعد عن صرير تكرار الفعل وتوقع نتائج مختلفة ما تحتاجه هو صناعة وطن متكامل من ذاتك ينمو، أعماقك تعود إليه لتتحدث إليه وتناقشه وتختبئ خلف جدرانه وطن ينبع من ذاتك ليلهمك كيف تتمتع بشجر الأكاسيا وتساقط المطر ويشرح لك قيمة احتساء فنجان قهوة على رصيف بعيد ويأخذك مع الشمس لتتسلل من شقوق النوافذ، وتلعب مع الصغار لتثبت لكل قوانين الطبيعة أنك إنسان يؤثر ويتأثر ويفهم ويتفهم، ويعود إلى نفسه في نهاية المطاف ليتحدث إليها، ويقنعها أنه يستوعب حزمة الضوء التي يمر بها في كل يوم من هذه الموجودات التي لم يكن يعرف أنها من أعتى الملهمات.

الصعود الى القمة

"لا شئ يبقى للأبد "فكل ما نعيشه في سعادة أو قسوة أو حزن أو رخاء سيصبح في يوم من الأيام من الماضي وسنزرعه كالياسمين في حقول الذكريات ونتذكره عندما يتجول كل منا في حديقته الخاصة وهو يعبر في طرقاتها ويتذكر لحظاته التي يشمها كلما مر في رحيق الزمن الذي عبر فجأة أو على مهل سيظل كل شئ معلقا في الذاكرة كخيط رفيع يعيدنا إلى شريط الماضي الذي نهديه إلى باقة أيامنا ونحن نقلب أوراقها ورقة ورقة ونتساءل عن أخر قطرة ستسقط من هدير الحكايات ومن صخب الموج عندما يعلو فيطغى على أفكارنا وعندما يكون مليئا بالمتناقضات فيصمت ويترك لنا فرصة التأمل.
وفي مفارقة تجارب الصعود إلى القمم والعثور على خيارات الطرق المؤدية لتحقيق الأحلام يمكن أن تبدو الصورة وردية أحيانا وضبابيه وغائمة أحيانا أخرى فهذه الطرق لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تظل متوازية مع طموحنا وتوجهاتنا ولكنها قد تكون مليئة بالمنعطفات والعثرات التي تعزز ثقافة الثقة بالنفس والقدرة على مواجهة المصاعب وحل المشكلات التي تواجهنا فلو أن الطريق كان ممهدا للأبد.. لما عرفنا قدراتنا أو تمكنا من اكتشاف الطاقات الكامنة فينا والتي تظهر عندما نمر بهذه التجارب الخطيرة و الحادة التي نتعرف من خلالها على هويتنا الحقيقية وعلى كل ما يمكننا أن نحققه وهذه المزايا لا يمكن أن تتحقق عندما يكون الطريق معبدا ومفروشا بالزهور ومليئا بالأنوار والكهرباء فالطرق المظلمة تجعلنا نتعرف على مقدرتنا الفذة في تحسس مواطئ أقدامنا كما أن المياه العميقة تضعنا في تجربة إنقاذ أنفسنا من الغرق والسقوط إلى القاع يجعلنا نعرف ما نحتفظ به من درر ونفائس نخبئها في أعماقنا لنعلم أن في كل إغفاءة للحظ فرصة لحظ جديد ذلك الذي يتحقق لمن يؤمن أن الضربة التي لم تقتله كانت كريمة لتجعله أقوى ولمن يعرف أن التجارب القاسية والفاشلة هي أهم الخطوات المؤدية للنجاح وأن النجاح الأبدي والطرق الممهدة لم تعطه أي فرصة لأدراك خفاياه التي تختبئ خلف الرتابة والتكرار وأن في كل مغامرة جديدة لتحقيق الذات نقطة انطلاقة لسهم قوى يمكن أن يستقر في قلب الهدف ويحققه.
لذلك فأننا نحتاج في كل فترة إلى التوقف لنرصد ما تركناه من تجارب خلف ظهورنا ونتطلع إلى الخطوات القادمة التي يجب أن تخرج من حيز العشوائية إلى حالة من التركيز لقراءة الخطوات القادمة وهذه الثقافة التي يجب أن تنتقل إلى الأجيال التي قد تظن أنها عندما تنهي مرحلة التعليم والخروج للحياة العملية بأنها قطعت شوطا كبيرا من تجاوز المصاعب وهي لا تعلم أن التعليم هو أول سلالم الصعود نحو الأهداف التي لا يمكن أن تحقق إلا عندما نمتلك ثقافة " صناعة الأهداف" وخوض غمار التجارب الصعبة والقصص المستحيلة لنجد في أنفسنا قدرات لم نكن نعرفها عن أنفسنا.
إنها الأحاديث الهامسة التي نقولها لأنفسنا ونكررها ونحن نقرر في كل مرحلة كيف يمكن أن نمضي في الطريق أم أننا نحتاج إلى استخدام أدوات أكثر تأثيرا أن هناك حاجة ماسة لتغيير الطريق أصلا أو البحث عن خطط بديلة لإكمال مشوار الحياة وتجاربها كي لا نسمح لهذه الأحداث أن تتحول إلى مصدر رعب وخوف على مصيرنا المجهول وإنما يجب أن تخلق في ذواتنا حالة الاستفزاز للدخول إلى تحد جديد والتعلق في حبل أخر لعبور الوحول والغابات الموحشة وعدم التشبث بالأفكار والحبال المترهلة ومواجهة مخاوف التغيير إلى نقطة انطلاق جديدة عنوانها الثقة بالنفس والبحث عن الطاقات الكامنة والتي لا يمكن أن تولد من نبض متخاذل أو من حالة انتظار "قدر" وأنها بحاجة إلى اصطياد فكرة مختلفة لتحقيق هدف مختلف.

ضمير افتراضي

ا بين الواقعي والافتراضي خيوط يمكن أن تتشابك قصتها لتحكم دائرتها المغلقة على "الإنسان الحديث" الذي تداخلت أوراق أفكاره ما بين عالمين أحدهما ملموس والآخر مساحة لا محدودة يصعب وصفها أو لمسها لكونها قد تتجاوز الخيال أحيانا وقد ترتد إلى شخوص العالم الواقعي أحيانا أخرى، ليدخل كل منا مدينته الخاصة ويغلق الباب خلفه ويعيش حالته الخاصة كموجود يعبر عن أفكاره ومشاعره ومنطقه المختلف في جدلية التلاقي ما بين الواقع والخيال بعد أن استطاعت التقنية الحديثة بفعل قدرات الإنسان واختراعاته الفذة أن تخلق لكل منا عالما متفردا دون أن يحتاج للذهاب إلى المريخ في مركبته الفضائية، أو أن يتقدم إلى وكالة ناسا للصعود إلى الفضاء لأن العالم بكل صوره ولوحاته الاجتماعية والفكرية والثقافية انتقل إليه ليتمكن أن يصل إلى آخر نقطة من اللاحدود فيعرض وجهة نظره، أو قد يعترض ويتحاور بل لقد تجاوز هذه الأفعال إلى أخرى يقوم خلالها بالنقد والاعتراض والتعدي والقيام بفعل التجاوز على الآخرين والتعليق بما يعرف ومالا يعرف وقد يغمض عينيه ويقص ويلصق دون أن يكلف نفسه عناء القراءة ومعرفة ما خلف السطور.
وعلى الرغم من عدم تهيئة الأجيال الجديدة لهذا الزخم التقني العظيم الذي أغرق العالم بالجديد والمبتكر في وسائل التواصل الاجتماعي التي فاقت تصور الإنسان في إمكانياتها في الربط بين أقطاب العالم، إلا أن هذا الجيل استطاع الانسجام مع هذه النقلة النوعية في وسائل الاتصالات من الناحية التقنية أما عن المحتوى الاجتماعي والثقافي فهو لا يزال بحاجة إلى نظرة واعية يتم عند الدخول إلى هذا المجال بوعي حتى لا تتسبب هذه الوسائل في حصاد ذنوب افتراضية قد يظن البعض أنها غير مؤثرة وأنها تخص عالما آخر لا يمت إلى الواقع بصلة، ولعل قوانين الجرائم الإلكترونية والعقوبات التي تفرضها هذه الجهات الأمنية لهي أكبر دليل على ارتكاب الذنوب الافتراضية حيث يمكن أن يرتكبها الشخص دون أن يغادر مقعده أو سريره عندما يجند طاقاته ضد الإنسانية أو ضد القيم أو المبادئ أو عندما يختبئ خلف أسماء مستعارة لتحقيق أجندات يعرفها ولا يعرفها في غفلة من نوم الضمير، والتعاطي مع هذه التقنية وكأنها من صنع الخيال وكأنه يحق له أن يفعل ما يريد وأن يجرح بالكلمات أو أن يتعدى بالألفاظ أو أن يشهر أو يستولي ويخترق هذا المجال ثم يغلق أجهزته ويرقد دون أن يهتز جفنه، ودون أن يعلم أن عقوبة مثل هذه الذنوب لا تختلف عن عقوبة الذنوب الواقعية في الدنيا والآخرة لكون نتائج هذه التصرفات قد تكون متساوية في ناتج الإيذاء أو التخريب، مما يعيدنا إلى المربع الأول ومن أول الخطوات في هذه الحياة التي تستدعي الحذر من ارتكاب مثل هذه الذنوب، لأن نتائجها لا يمكن أن تظل افتراضية وإنما يمكن أن تكون عواقبها أشد وطأة من الذنوب الواقعية لسرعة وسهولة تحقيقها في عالم تداخلت فيه القيم التي تستدعي وقفة ضمير افتراضي يحاسب نفسه كي لا يغفل عن مثل الاختراقات وهو يظن أنه يحسن صنعا.

الثلاثاء، 23 يناير 2018

جدنا قوقل

جدنا قوقل

وسط هذا الضجيج الذي صنعته الحضارة والمدنية، هل نحتاج للذاكرة ؟ أم أننا اعتمدنا على التقنيات الحديثة كي تتذكر نيابة عنا، واخترنا أن نحتفظ بذاكرة الأسماك التي لم تعد تسعفنا لأكثر من دقائق عند محاولة تذكر المواقف والأحداث،
فمحركات البحث الذكية أصبحت تفهمنا أكثر من أنفسنا، ومن التلميح الأول لكل ما نبحث عنه نجد هذه المحركات قد تحولت فجأة إلى مصباح علاء الدين، فما عليك سوى أن تضع الحروف الأولى لما يدور في رأسك، حتى تجد ما تفكر فيه أمامك في غمضة عين، وعلى الرغم من هذه الفوائد العظيمة لجدنا “قوقل “الذي صرنا نرجع إليه في كل شاردة وواردة وكل ما نريد معرفته، فقدنا القدرة على التحري والنفس الطويل في البحث والحصول على المعلومة، التي كان يسافر لأجلها أجدادنا أياما وشهورا عديدة. كانت هذه الرحلات البحثية هي سبب تعزيز الذاكرة والتذكر، التي لم تكن فائدتها طلب العلم وإنما كان المسافر للبحث عن العلم يستثمر فوائد السفر السبع، من تفريج الهم واكتساب المعيشة والعلم والآداب وصحبة الأخيار واستجابة الدعوة وزيارة الأحباب وغيرها من فوائد الترحال والبحث عن المعلومة، التي تصقل شخصية الباحث وتجعله متمكنا من كثير من الجوانب العلمية والمعرفية التي تضاف إلى فائدة الثقة بالنفس، ولست هنا بصدد طلب العلم وشد الرحال لطلب العلم، وإنما بصدد السؤال عن الزهايمر وحالة فقدان الذاكرة والنسيان الذي اجتاح العقول، التي تكاسلت وتركت للتقنيات مهمة التفكير والبحث والتقصي لزمن سريع لم نهيئ عقولنا لاستقباله والعمل على ترسيخ المعلومات و إمكانية الاحتفاظ بها، بعيدا عن آفة العلم. وأعتقد أن التغيرات المتلاحقة في حياتنا، وهذا الدخول الصاروخي إلى العالم الرقمي جعلنا نغير كثيرا من عاداتنا الاجتماعية والفكرية ونرضخ لتبعات التقنية وحالة التكرار والتشابه، التي ترتسم على وجوهنا ونحن جميعا سائرون خلف الأجهزة اللوحية وكل منا يقرأ فيها خصوصياته ونفسه وأفكاره في آيدلوجية مختلفة لحالة التلاقي الفكري والثقافي، التي عززت كثيرا من جوانب الشخصية، وأخذت أيضا كثيرا من قدرتنا على الخروج من غرفنا المغلقة، التي جعلتنا عبارة عن عيون محملقة وآذان باحثة في عالم ضخم من المعلومات، ولعل السر في حالة “النسيان دوت كوم” التي أصابتنا، ناتجة عن عدم قدرة العقل على استيعاب المعلومات المتدفقة التي تحملها الرسائل اليومية لمختلف العلوم والفنون، التي تتسرب كالمياه من بين شقوق أجهزتنا، حتى وإن غبنا عنها نعود لنجد هذه المعلومات وقد استقرت في ذاكرتها، لتجبرنا للعودة إليها والتمعن فيها لتتشعب المعلومات والذكريات والوجوه، في عالم أخذنا حتى من أنفسنا لنلعب ونتعلم ونتدرب ونستشير ونغذي عقولنا من هذا العالم الرقمي الصاخب، الذي يحتاج إلى “ميموري” إضافي لرصد كل ما يجري في هذا العالم ويستدعي إضافة شرائح معلوماتية لتتسع الذاكرة لهذا الكم الهائل من المعلومات، الذي يخاطبنا بلغة الطوفان فنغرق ونحن نحاول السباحة والصعود، عبر سلالم الموج للحصول على بعض الأنفاس كي نتذكر.

ضمير سعودي متصل

ضمير سعودي متصل

من شرفات العام الجديد يطل لون الاخضرار الذي يأتي في مواكب التطور المتلاحق الذي تشهده المملكة العربية السعودية وهي تقف على بوابة العام الجديد لتفتح صفحاته بكل ثقة في استباقية الزمن القادم ومحاولة الوصول عبر أقصر الطرق المؤدية إلى شاطئ الوطن الآمن، فعندما يعلو الضجيج وتتشابه الأصوات والقصص والبدايات والنهايات يجب أن يكون في محصلة كل منا بوصلة وقناعة أكيدة بالاستفادة من دروس الآخرين واختيار المسار الذي يفوت الفرص على المطبلين ممن يراهنون على تماسك هذا الوطن ووحدة كلمته، فكلما وضعوا وخمنوا طريقا يمكن أن يتم الاتجاه إليه وحاولوا أن يقلبوا الموازين كانوا يفاجأون بانتصار الوطن في كل معارك المزايدات والمناقصات والتوقعات لشعب يعرف كيف يتمسك بوطنه ويمارس طقوس المواطنة كما يجب، وعلى الرغم من فارق وجود احتفاليات وطنية ومشاعر وطنية متدفقة سالت بلون البهجة في شوارع المملكة في احتفالية يوم الوطن ألا أن هذه الشكليات ليست سوى مكمل مهم لإخراج الصورة الحقيقية لمشاعر حب الوطن، ومحاولة التعبير عنها بطرق مختلفة، فما كان الفارق بين الأمس واليوم أكثر من خروج المشاعر من الصدور إلى السطور ومن القلوب إلى الشوارع والمتنزهات ومختلف الأمكنة التي سجلت حضوره في كل الميادين وبكل اللغات المختلفة، عبر فيها الصغير والكبير وتنافست العقول الإبداعية في تقديم رسائل حب لهذا الوطن، وإن اختلفت السبل والطرق المؤدية إليه إلا أن هذه الفعاليات والاحتفاليات ما هي إلا تتويج لهذا الحب الغامر، الذي كسا بخضرته نوافذه المطلة على العالم بعيون واثقة من إصرار أبنائه على الثبات على قوانين رفعته التي لا تحتاج لأدلة أكبر من البذل والتسامي والعمل الدؤوب الذي سطر من خلاله أبناء هذا الوطن عناوينه في كافة المجالات نموذجا مشرفا للإنسان السعودي المتحضر، الذي يسعى لأن يحمل اسم هذا الوطن عاليا ويعزز من انتماء الأجيال إليه. وقد يستغرب بعض من ولاء أبناء هذا الوطن والمقيمين فيه واستبسالهم في الدفاع عنهم وحمايته والعمل على إبطال كافة المحاولات المغرضة وإفشالها، من خلال لحمة وطنية زادتها الأيام التصاقا بقيادته الحكيمة وتلاقيا معها وقبولها كافة المصاعب في اتحاد عجيب لقصص غير مستهلكة، أكدت على وعي هذا الشعب لقيمة ومعنى كلمة “وطن” تلك التي تعرش كسعف النخيل على حروف المدن فيتدلى من عذوقها رطب وبلح يجني ثماره أبناؤه وأجياله القادمة التي تعزز في كل يوم سيادة هذا الوطن وسموه، فكل يوم منجز ومساحة مختلفة من رسوخ هذا الحب في الضمير السعودي المتصل بوطن يستحق البذل كل البذل..

تلك المرأة!

تلك المرأة!

بعد مرور أعوام من الصبر كانت خلالها تحرس بوابات الأمان لهذا الوطن وتربي الجيل على الوفاء والانتماء وتحفر بأظافرها في صخور المستحيل كي ينبع منها الماء ويغذي هذه الأرض بمعاني الأمومة والعمل، وبعد أن تفرغ من انشغالها بزادها اليومي، تقف لكي ترمق الطريق بطرف عينها من النافذة البعيدة بعد أن يخلد الصغار إلى النوم ويعم السكون، تشرد وهي تحاور الزمن القادم وتساومه على قدر يمنحها حزمة ورد أهديت إليها مؤخرا دون موعد مسبق “تلك المرأة “التي حملت قضيتها أعواما طويلة وهي لا تتطلع سوى أن تنال جدارة القرار والثقة والمصداقية بعد سنوات من التعب في محاولة لإثبات الذات والانطلاق نحو الغد، وأخيرا حصلت المرأة السعودية على ما تريد بعد أن طرقت الباب طويلا للحصول على إذن الدخول، الذي جاء في عدة قرارات منحتها القدرة على مواصلة المشوار بعد حصولها على تذاكر متعددة للإبداع والانطلاق بحرية نحو أفق جديد، لتسجل أهدافا جديدة في مرمى الإنجاز وخلال سنوات لم تصغ خلالها هذه المرأة لبرامج التوك شو الأمريكية، التي أرادت أن تجعلها مادة تسويق إعلامية تتاجر بها ولم ترخ أذنها لكل من كان يعزف على أوتار التحرر والحقوق الإنسانية لتحقيق أهداف شخصية لها تبعات تحقيق مصالح ونقاط سياسية، وإنما انتظرت وهي تعمل بصمت ودون كلل أو ملل لكي تحظى بما تريد وفقا لرؤية مجتمعها وثقافته دون أن تفكر في القفز على الأسوار العالية وأن تتحدى وطنها في الظل والإنصات إلى خفافيش الظلام، أرادت أن تأخذ أنفاسها كاملة بعيدا عن لغة الثقوب والمواعيد الباهتة، أرادت أن ترسم صورة كاملة ونقية غير قابلة للانكسار وما كانت تحتاج لأكثر من موعد مع الوطن لتعرض عليه منجزاتها وتعرفه بتجاربها وجدارتها بالثقة، كانت تريد أن تحكي قصتها لأذن واعية تعرف ترنيمة الصدق وتحقق لها العدالة التي ترتجيها دون الدخول في صدام مع مجتمعها وبمواكبة عصرية لعالم يعلن تجدده اليومي وسباقه لمجريات التطور التي لا تنتظر أحدا.
سارت المرأة السعودية بخطى ثابتة اغتنمت خلالها كل الفرص المتاحة وغزلت بمغزل الإرادة والإصرار على الوصول حزمة ضوء لبنات هذا الوطن اللاتي تلقين خلال الأيام الماضية هذه القرارات الداعمة لمشوار قادم يحتاج إلى مزيد من الحذر على كافة الخطوات التي ستحسب عليها، التي تتطلب مزيدا من الوعي والإصرار وعدم استباق الخطوات والتروي في اتخاذ القرارات وتنفيذها بلغة الإدراك التي أثق أنها موجودة في العقول الناضجة التي سجلت بصمتها في مختلف المجالات للرد على من يصفها بالمدلله أو المتسلقة على أكتاف وطنها وعزفت مقطوعتها الوطنية بلغة خاصة ليسود الصمت ثم يعلو التصفيق مدويا لباقة ورد نالتها عن جدارة واستحقاق تلك المرأة التي عملت بصمت رفعت الستارة عن خارطة لوطن من النساء ونساء من وطن، حولن الأحلام إلى حقائق ملموسة وعيون محلقة نحو السماء، تحمل معها راية التوحيد ولغة إصرار لن تتكرر، تلك هي المرأة السعودية التي بنت للطوابير القادمة من الأجيال صرحا من المنجزات يمكن أن تتكئ عليها المرأة بعد أن مهدت الطريق وعبدت السبل وزرعت الورد على جانبي الطريق المؤدي إلى الوطن ..كل الوطن.

لا تبتسموا للكاميرات

لا تبتسموا للكاميرات

لا يمكن للفلسطيني وهو يمارس حياته اليومية أن ينسى أربعة حروف – كان وصار وأصبح وأمسى وما زال وما دام -  ينتظر تكاملها في لعبة تركيب الحروف التي تكمل كلمة “م ع ب ر ” هذه الحروف الأربع التي يمكن أن تحقق إنسانيته التي نسيها خلال سنوات كثيرة مرت وهو يحاول من خلالها أن يحل هذا اللغز الذي خطف منه كل مقومات الحياة تلك الكلمة السحرية التي تتيح له الخروج من مواقع الاقتتال التي ملأت الخارطة العربية والتي ترسب فيها الفلسطيني وتكلس في أراضيها بينما انتشر أبناءها في كل بقاع الأرض على أن يكون الخيار الأخر أن يغادر وطنه لاجئا  إلي عالم مجهول في حالة موت بطئ موزع على بلاد العالم في انتظار تأشيرة حياة وجواز سفر لوطن مسافر ومحتل وفي كل الأحوال ظل المواطن  الفلسطيني يعيش كابوس سنوات عجاف لا تنتهي ذلك الذي يحلم بقطرة من  كهرباء وغاز وماء وغداء في غزة ولحظة أمان وكرامة في الضفة
 ”معبر ” هذه الحروف الذهبية التي تغفل عنها  الفصائل الفلسطينية والتي نتمنى أن تتذكرها خلال المصالحة المأمولة وان لا يغيب عنها كل القصص  التي حولت حياة الفلسطيني داخل غزة إلى جحيم يحاول أن يتجاهله وينساه فمن ظروف الاحتلال الغاشم على فلسطين وجدران العزل وغلق المعابر إلى تفاصيل الحياة اليومية القاسية التي حولت القصة إلى حلقة مفرغة وقصص مزايدات وشعارات وتراشق بالتهم في وطن مباح لكل الانتهاكات الإنسانية التي لا يشعر بها إلا من دخل إلى دائرة هذا السجن الكبير في غزة وعاش فكرة تكريس الفصل بين أجزاء المواطن وتجزئة  فلسطين من الذاكرة العربية واختصارها إلى “غزة ” وإيجاد مبررات للنسيان لأسباب لا يفهمها المواطن الفلسطيني البسيط الذي يريد أن يعيش ضمن إطار الإنسانية بعد أن استنزفته الحروب والاعتداءات الإسرائيلية  وغربت  أبناءه وحبسته في ركن بعيد يتذكره العالم أحيانا وينساه أحيانا أخرى وبعيدا عن تنظيرات السياسة وتصريحاتهم  لكاميرات التلفزة ووكالات الأنباء العالمية وكل التحليلات التي تصاعدت كالدخان في سماء وطننا العربي الكبير و مبررات السكوت على زيادة الاستيطان ووجع قصص الأسرى  لا استطيع أن أكون محايدة وأجدني  أقف مع هذا الساكن هناك في الضفة وفي غزة وفي داخل العمق الإسرائيلي الفلسطيني الذي يريد أن يعيش وان لا تتم مصادرة حياته تدريجيا ليشعر في النهاية أن كسرة الخبز اليابسة هي طموحه  كي  يطعم الجياع “في فلسطين كلها” قصة لا تحتاج لابتسامات السياسيين للكاميرات وارتداء البدل الأنيقة والياقات المعبأة بالنشا نحتاج أن تعيدوا لنا ما تبقى من الوطن و من الفلسطيني وإبعاده عن التصفيات والحسابات السياسية التي يتم زجه فيها دون أي أسباب وإدخاله في عداوات عربية دون أن يصدر عنه تصريح واحد لمجلس الأمن ودون أن يكون له الحق في تسجيل رأيه في أجنداتكم السياسية لأنه مشغول بلقمته ويكتفي بالدهشة حول سيل التهم عن الذين باعوا والذين لم يبيعوا ورغما عن كل الظروف التي يمكن أن تقتل أي طموح ظل الفلسطيني يعيش وهو يربي الأمل في قلبه ذلك الذي  جعل الشاب الفلسطيني يدرس أكثر من 4 مرات مرحلة الجامعة ويعبئ أدراج منزله بالشهادات على أمل الحصول على فرصة أو جعله يقوم بحفر أنفاق وخنادق على  أمل الحصول على نافذة يطل من خلالها على حياة حتى لو كانت تحت طبقات الأرض السبع لتحقيق حلم العبور ….لا تبتسموا للكاميرات فقط أعيدوا لنا ما تبقى من الوطن 

" أكثر مما نتصور"

" أكثر مما نتصور"

هذه الأفكار التي نمارسها ونرددها ونحن نعبر أزقة التجارب ونجوب أروقة  قصصنا اليومية  تتحول في يوم ما إلى سلوكيات فإذا مارسنا فعل الغضب أو الحزن أو التفكير السلبي أو حالة الاستسلام فإنها لابد وأن تتحول إلى مهارة نتقنها ونعتاد عليها وندمن ترديدها في دواخلنا ونحن نعزي أنفسنا  بل أن تكرارنا لبعض الجمل التي تجسد واقع ما يحولها إلى قناعات راسخة يصعب من خلالها الوصول إلى حالة التغيير التي يجب أن نتفهمها دائما وأن لا نفكر بطريقة القطار الذي يرفض أن يغير مساره ويسير على قضبانه في اتجاه مباشر لأننا نختلف في فكرنا وظروفنا عن فكر القطار وظروفه للوصول إلى المحطات فطبيعة الكائن البشري قابلة للتغير والتطوير والتوجه الايجابي والخروج من القوالب والبراويز إلى رحابة الحرية في التفكير والتطوير والتي لا تحتاج إلى أكثر من مناقشة الذات واكتشافها لمعرفة ما يمكنها أن تتقبله وأن تحققه وما عليها فعله للوصول إلى محطات جديدة بعد الخروج من جدلية التعود.
 نعم يمكننا أن نتغير “أكثر مما نتصور” عندما نحاول أن نقبل ونتفهم ونناقش وننصت لما هو جديد ومثمر دون أن نقابل رياح التجديد بالرفض الجاهل القادم من التشبث بما تعودنا عليه لمجرد أننا تعودنا عليه ولا نرغب في أن نستيقظ منه حتى لا تتغير مسارات الحياة  بينما نترك للآخرين حرية المغامرة وخوض غمار معارك التغيير وتحمل تبعاتها ونكتفي بأن نصفق لهم في نهاية المطاف لكونهم قبلوا تحدي الحياة الذي لا يجرؤ الكثير من الناس على  السير فيه لكونه معاكسا للتيار ولأنه قد يعرض أغصانهم للانكسار بعد الوقوف أمام الريح
 فهل نحن بحاجة للخروج من رتابة التفكير وتلقائية التوجه إلى فوضى الاختلاف ومحاولة إيجاد طرق جديدة تمكنا من الحصول على متعة المغامرة؟ هل نحتاج للدخول إلى الغابات الموحشة وتحويل الخوف من الجديد إلى طاقة انتقائية واعية تحقق التغيير المنظم والممنهج المبني على أسس وأفكار ذات قيمة محددة الطرق والأهداف دون أن نشغل وقتنا بالتخوف من  النهايات المتوقعة  وفرض الأحكام المسبقة بالخسائر فقد تقود التجارب السلبية لمحطات النجاح  بل قد يتسبب الغباء أحيانا في الوصول إلى نتائج عبقرية
 ولذلك فإننا نحتاج لبناء قناعات جديدة تقوم على أسس التجربة والحصول على براهين النجاح تلك الفرص التي منحها المخترعون والمبدعون لأنفسهم من خلال الرغبة في التجربة مهما كلف الأمر وتجربة  قلب الموائد والأفكار وتجريب والاستفادة من تعاكسها وتضادها وتشابهها في خلق فرضيات جديدة أنتجت للبشرية الكثير من الأفكار المبكرة  والاختراعات التي قادتنا إلى التطوير بعيدا عن رتم التشبث “بما كان” والبحث عما “يمكن أن يكون ” انه الطريق الذي يمكن أن يعبد بتخطي فكرة الفشل إلى فكرة المزيد من المحاولات والإصرار لتحقيق نظرية مختلفة يمكنها أن تعزز قيم الايجابية و الخروج من منطقة اللا قرار وخلق الحلول من رحم ألازمات ومحاربة الأحلام البليدة التي لا تنجب واقعا مجديا  ومحاولة غرس أشجار ننام في ظلها غدا إننا نحتاج أن نستنشق هواء التفاؤل والبحث عن سبل لعلاج المشكلات بطرق لا  تتسيدها لغة التشكي والحسرة على ما كان وإنما من خلال فرض واقع جديد يخرج قويا من رحم الأزمات ويخرج الاخضرار من العدم.

أنه اللاشئ


عندما تريد أن تعقد صفقة تصالح مع مخاوفك، عليك أن تدعوها إلى فنجان قهوة على ناصية زجاجية في مقهى بعيد لترمقا حروف الارتجاف الذي يسكنك وأنت تبحث في جداول المجهول عن مبررات تستوجب معرفة كل أسئلة الخوف الذي يعتريك و أن تدقق في محتواك وتجيب على كل ارتطامات المساء الذي جعلك تسهر ليلة طويلة تواسي فيها مخاوفك وشرودك ذلك الذي ينبت في اختلاف المخاوف ما بيننا فلكل منا حزمته الخاصة التي يهرب منها بالانشغال وبالتجاهل ولكل منا قصته الخاصة مع معزوفات الخوف في حكايات الصدى المرتد الذي يسكن هوامشنا خلال النهار ويستيقظ في المساء لينهش السكون الذي يتوغل في أعماقنا وعندما نريد أن ندرب أنفسنا على مواجهته علينا أن نقرأ “كتاب الخوف ” لنعرف مم ولماذا نخاف!؟ وأن نجد طريقة لمواجهته وسحب ظلاله من جدراننا و تحويله إلى حالة مزمنة يمكن التعايش معها والتخلص من سيطرته على حكاياتنا المهملة والاستفادة من مزاياه في تحفيزنا وتحويله إلى طاقة إيجابية لتحقيق النجاح والتوقف عن صعود سلالم الدخان بعبارات مخاوفنا المتوارثة وأن لا نعطيه فرصة أن يحرمنا من الهدوء الذاتي لكونه قادما من عالم مجهول نخاف من انقضاضه علينا، فعندما فكرت في خطة للتصالح مع مخاوفي قررت أن أتشارك معكم فكرة تقمص قصص الخوف من المجهول الذي لو عرفناه لتوقفنا عن “فعل الخوف” لقناعتي أن تحقق المخاوف وحصولها أهون من انتظار اللاشيء فيها، فهل يمكن أن يكون الخوف إيجابيا وضروريا لاستمرار الحياة؟ ومن الذي يعيش دون خوفه؟ ذلك الشبح الذي نصنعه وننسج تفاصيله اختياريا خلال رحلة غموض الأسباب ونحن نولم له سجوننا قبل أن نقرر أن نفعل ما نخشاه ونطرد ذلك المارد الوهمي من شظايانا عندما نربيه فينا، فكل منا يختار سجنه العالي بينما يمكنه أن يختار القناعة بأن للخوف مزاياه في القرب من الله وتقواه وقيمته في تحقيق الإنجاز.
وذلك عندما نبدل طريقة التعاطي معه بلغة أخرى للخروج بمنتج إنساني آخر لا يندرج تحت طائلة التناسي والتهرب مع البعد عن ترديد رتم المخاوف وتحويلها إلي نبراس يحقق التميز مع الاحتفاظ بفارق وجهات النظر عن تأثير النظرة السلبية للخوف على كافة المعطيات.
إنه اللا شيء الذي نحوله إلى هواجس تلاحقنا وتنغص علينا أجمل اللحظات بل إنه قد يؤدي إلى الوقوع في فخ التلبس لصناعة مارد من الوهم الذي يعترينا بينما نتمكن أخذ قطبه الإيجابي في التعامل السوي لتحقيق مشاعر السلام مع الأشخاص والأشياء وذلك يبدأ من تتبع مخاوفنا والوصول إلى قناعة التحاور المنطقي معها للوصول إلى الهدوء والسكينة التي يمكن أن تحقق نقلة نوعية في بناء الشخصية وإثرائها بخطاب ذاتي حول أسوأ ما يمكن احتماله ووضع إجراءات احترازية تحقق نوعا من الشعور بالاستعداد لانقضاض مشاعره السلبية علينا ووضع خطة طوارئ لكافة الاحتمالات والتوكل على الله مع الأخذ بالأسباب حتى تتحقق الطمأنينة بذكر الله “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”.

جرة ألم ..

جرة ألم ..

عندما قررت أن أكسر جرة أوجاعي أخيرا وفي تلك الليلة وأن لا أعود لوسادتي الخالية لأترك لها رأسي لتدوزنه على إيقاعنا العربي الغافي على ناصية شرود وسائدنا الخالية، شعرت بالارتياح كثيرا أني أصبحت قادرة على النوم دون أن يعبث الضجيج برأسي كما كان يفعل كل ليلة وأنا أفكر فيما لي وما للناس وفيمن يجرحون بلغة اللسان أو بجرة قلم وفيمن يقدرون على الظلم وإيذاء الآخرين ثم يستطيعون الذهاب إلى فراشهم بعد أن يكونوا قد ارتكبوا مجزرة في مسجد أوفي طريق فيمن نسوا ماهية الإنسان وصار لديهم قدرة العبث مع الوحوش الضارية التي أخرجتهم من كينونة الإنسانية إلى شراسة الوحوش، فما هي الرسائل التي تكفي لإعادة هؤلاء إلى درجة حرارة الإنسانية؟
لقد كسرت الجرة التي لم تعد تتحمل أسئلتي ولا الإجابة عن سؤال واحد هو كيف؟ كيف تتحول القيم والدين والمعاني والمبادئ ولغة الحوار إلى دم أبرياء مسفوح على طريق أو ويلات مظلومين يرتجون العدالة “بجرة قلم” وألف كيف وكيف،
لقد كنت في كل ليلة أضع شريحة اللامنطقي واللامعقول فيما يجري حولي في محاولة الدخول إلى جدلية الاستيعاب التي تجاوزت الربيع العربي الدولي إلى ربيع ذاتي يضج في داخلي ويكون قابلا لاستيعاب أن ما يجري هو فعلا حقيقة وإنني لابد وأن أناقشها مع نفسي حتى أستطيع أن أتقبلها تدريجيا ضمن أطر وترتيبات فكرة التنازل التدريجي والتأقلم في الحقيقة.
أنا لم أكن أريد أن أكسر تلك الجرة لأنها كانت تشبه النبض في رأسي وكانت تذكرني في كل أوقاتي أنني بحاجة لأن أفرغها وأنثر ما فيها على خارطة الواقع لأعرف مكاني من بوصلة الحدث، الذي يقول إننا تغيرنا كثيرا في مسألة التقبل والتغيير والانسجام عندما قررنا أن نناقش أنفسنا في سنوات من الأفكار المزمنة التي سجنا أنفسنا فيها دون أن نتساءل عن ماهية هذه القناعات وعن أسباب تلبسنا بها.
ولكني وعلى الرغم من أهمية تقبل أفكار التغيير إلا أنني أشعر أن هناك فارقا كبيرا بين تقبل التغيير وبين تقبل الجرح والندوب التي أصبحت تتكاثر لتشوه نشرات الأخبار رويدا رويدا لتجعلنا بلا حيلة أمام فكر يشوه الإسلام ويجعلنا جميعا تحت خط الدم الأحمر وتقبله على شاشات التلفزة كأمر غير ممكن السيطرة عليه “انكسرت الجرة” وتناثر ما فيها من الألم على مفرشي، الذي كنت أظن أنه سيظل ورديا وأنني سأتمكن من أن أورثه كتركة لأبنائي ليضعوا في ماء الحياة المثلج الذي يكفي لكل عربي ومسلم أن يشرب من معين تركة ديننا الإسلامي الذي نبذ القتل والعنف والإرهاب وحرم سفك الدماء ووضع حرمات إنسانية لحماية البشر من الظلم والاعتداء ودعا إلى السلام والاعتدال “انكسرت الجرة”، فكيف يمكن أن أجمع ما تبعثر من ذاتي وقلبي المتناثر الذي يغص مع كل قطرة دم عربية دون أي مبرر، وتحت شعار دين هو موجود ليكون رحمة للدنيا بأسرها.

مع القدس ..لست وحدك


نصف كأسك فارغ والجرح يملأ نصفك الثاني ومن خلف الزجاج ترى الحكايات كلها وأنت منسي في أحد أطراف العالم فلا أحد يمكنه أن يحملق في لجوئك أو في غيابك أو حضورك  فأنت حر في مشاعرك التي تطلقها كالعصافير التي تنقر على شبابيك المكان ويرتد إليك صداها “حر” لترتدي بعضا من لا مبالاتك أو لتعود لاهتماماتك  لا.. لست وحدك ! فعندما يكون هناك الملايين ممن يشاركونك ارتشاف قهوة القدس على منعطف النبض العربي لا يمكن أن تكون وحدك فهم يجلسون هنا وهناك يتفقون أحيانا ثم يختلفون ويتراشقون بما بقي من ثرثرة  فناجينهم فكلهم أبناءها لكن في ضمير كل منهم وجع ومسؤولية يريد أن يلقيها على عاتق الأخر ليثبت أنه الأوفى بينما يعرفون جميعا أنها أكبر وفية  للتاريخ وللحضارة وللجدران ولأحجار الشوارع ولسنوات طويلة مرت وهي شامخة فوق كل القصص والتحديات وذلك ما يجعلهم  عندما يذهبون إلى الفراش يستعيدون الحقائق ويدركون أن التنكر بالحروف لا يلغي النبض الذي يعيش في قاع وجدانهم العربي الصادق  فيتذكرون ويعتصر القلب غصة خفية قد لا يتحدث عنها البعض عنها  لأن رقة المشاعر وارتفاع درجة حرارة التأثر قد تكون نقطة ضعف لدى أولئك الذين يرون أن القوة في الرفض والتنكر  حتى لا يعرف أعداءهم  أن الضربة هذه المرة جاءت في مكان الخيبة و الجرح والمقتل القديم الذي يتجدد كلما رشوا الملح على الجراح النائمة.
 ولا تقلق على مشاعرك التي لم تعد تحتمل المشاهد المكسورة  التي ارتطمت بها ولا عن محاولة تغييب ذاتك خلف أشياء تافهة والاعتماد على ذاكرة الغياب وإيجاد كل المبررات لحدوثه لكثرة الخذلان في هذه القصة وتزايد أبطالها الذين ملتهم الصحف ونشرات الأخبار.
 أنت لست وحدك طالما هي معك ستتذكر منارتها وأقصاها وقبة الصخرة وبعض تراتيل من القران وحكايتها مع الأديان السماوية وروح الأنبياء ترفرف في المكان.
وحائط البراق ومسجد عمر وقد تؤنب نفسك أنك أرخيت أذنك لبعض الذين قالوا لك أنها لا تستحق الحياة وأنها يجب أن تنسى ككل اللحظات والقصص  العابرة تلك التي حرضتك على إلى أن تعود إلى  حياتك الطبيعية وانشغالات عملك وأطفالك بينما هي تنتظرك هناك في مواقيت الوفاء للمواعيد كي تتذكرها  لكونها  قررت أن لا تنساك وأن تعود إليك كلما جد في الجرح .. جرح   ستعود إليك من جديد  لتذكرك بما انغرس في وجدانك ويقينك كشوكة رقيقة في القلب يصعب عليك أن تقتلعها لكونها متوجة بالتجلي ولأن فيها بعضك بل كلك الذي تعتبره قوتك وشموخك وكيانك الذي تريده كالنسر أن يحلق عاليا بالقرب من وطنك كي تزهر في العين قرة الحياة  وأنت تحكي لأبنائك عن لحظة صدق جاءت لتثمر زهوا  فوق فوهة الهاوية  لخطوات دقت خطاها على الأرض بصدق الوفاء  لهذه القبة الحرة كي تعانق سحاب السماء .لا لست وحدك وستظل تتذكرها عندما تصحو لترتشف قهوتك أو لتناقش أولوياتك وخلفيات رفضك وقبولك وستناقشها مع نفسك وقد تعتب على من قالوا لك أنها يمكن أن تمر كالرمح في ذاكرتك وأنها أصغر من الانشغال وأقل شأنا من الانطفاء  وأن ذاكرتك تشبه ذاكرة الأسماك التي تختار أيقونة النسيان دائما وأنك ستضعها في قائمة التأطير في بحور الشعر وكتب التاريخ ومع الصور العتيقة فوق الرفوف المكررة والمنسية على الشفق الأخير أو أنها ستصبح  ككل خيام البدو التي تغيب وتعود بشكلها التلقائي الحنون تارة والمتصحر تارة أخرى وستظل في وجدانك إن رضيت وأن أبيت لأنها أكبر من وشوم الذاكرة انها ضميرك الذي لأيمكن أن يتركك وحدك

في مدرسة الملهمين

في مدرسة الملهمين
قد يتحول البعض في حياتنا إلى سطور تنبض من كتب الإلهام أولئك الذين يمكن أن نستقي من تجاربهم وإيجابيتهم معانٍ جديدة، ونبراساً يمكن أن نهتدي به ونحن نسلك طرق الحياة الوعرة "إنهم الملهمون"، الذين يحتفظون بمعانٍ حقيقية لتجربة الحياة ويعيشون ضمن مبادئهم الإيجابية بقصصهم التي تتحرك وتتنفس، ونراها تحيا وتسير أمامنا بعيدا عن التنظير وعن عناصر التأليف وبدايات ونهايات القصص المستهلكة وسواء تصادفنا مع هذه الشخصيات أو قرأنا لها، أو رددنا أحاديثها المأثورة التي أقنعتنا أو أننا اكتفينا بقراءة ما وراء سطورها ففي نهاية المطاف سنقف لنعد آثار بصماتهم الخاصة التي أودعوها كتبهم، أو لوحاتهم أو بعضا من مفردات أو قصص تروى وكأنها كتلة من التجارب والخبرات تمشي على الأرض، وفرصة للاستفادة من غيمة مغدقة وتطبيق عملي للحياة يمكن أن تشاهده حيا مباشرا فتخرج برؤية مضيئة قد تغير مسار حياتك للأبد.
إننا بحاجة إلى حكايات ملهمة تكون وقودا لنا ومحركا لنا لنطرق أبوابا جديدة ونعرف كيف نتعامل مع منعطفات الزمن ومتغيراته، ولا أعتقد أن التعليم والحصول على الشهادات العليا من أساسيات الإلهام فقد تتعلم أفضل الدروس من أبسط الكائنات فهي ليست حكرا على بني البشر وإنما قد يلهمك إصرار السنابل أو حقول الورود أو ضوء القمر أو صفحات الليل لمعرفة أشياء لا يمكن أن تحصل عليها من مئات المؤلفات والمحاضرات وقد تستقي أفضل الخبرات من أبسط البشر ومن عابري المحطات والشوارع، ومن أبعد العناوين عن أفكارك إنك لا يمكن أن تختار أو تنتقي مصادرك الإلهامية وإنما عليك أن تتمعن جيدا فيما يمكن أن يكون خلاقا فيما هو حولك ومؤثرا في قراراتك للبحث عن سحابتك المقبلة كي تعرف الكثير عن دروب الفشل المؤدي للنجاح، وعن حواسك التي تتجاوز العشرة عندما تعد على أصابعك لتكتشف أن الروح الإنسانية ما تزال تحمل الكثير من الحواس غير المكتشفة والتي يمكن أن تشعر بها وأنت تخاطب جيوش الأفكار التي تملأ رأسك وتجعلك تخرج من فوضاك لتعرف ما في داخلك من كوامن عندما يلمع البرق في عينك في لحظة تردد فيها "وجدتها" وتعرف أنك ما زلت تتهجى أول حروفك وأنه ما يزال لديك الكثير لتكتشفه عن نفسك من خلالها.
إنها الظاهرة الإنسانية التي تجعلك تتمعن في كل ما يحيط بك لتصنع منه درسك اليومي والملهمون أنواع بحسب موقع "Sources of Insightf" المعني بتطوير المهارات، وربما تختلف تعريفاتهم قليلا عما نعرف أو نظن فمنهم الحالمون الذين يقفزون على السحب ويحاولون أن يصنعوا أقواسا من المطر وينسجون خيوطا من الأفكار التي يصعب تحقيقها فهم يملكون كل أدوات صناعة الأفكار بينما يعجزون عن تحقيقها فهم يحلقون ويقفزون دون الاكتراث بما يتحقق منها بينما يركز الفاعلون على فكرة واحدة ويبدؤون بتنفيذها، يعملون عليها كأنها الحل الوحيد في الحياة، يشعرون بالملل والهزيمة فالتنفيذ جزء رئيسي في حساباتهم ويتبسلون في الدفاع عن مبادئهم وأفكارهم بينما يظل النموذج الثالث ممن يجمعون بين الحلم والفعالية في موازنة بين هذه الأدوار هم الأجدر بنيل شرف هذا اللقب الذي يعني تحمل مسؤولية كبيرة في صناعة القدوة، وتبعات العطاء بلا حساب والقدرة على صناعة الإرادة والتدريب على مواجهة الأزمات إنهم الأشخاص الذين ترتفع درجة الحساسية لديهم بمجريات الأحداث بما يفوق مقياس ريختر لمقياس الزلازل التي تصيب النفس البشرية، وتستدعي وجود فئة تساهم في صياغة قوانين التغيير وتحمل نتائج فتح الأبواب المغلقة وصناعة عناصر المفاجأة، وتاريخ المبادرة، وهذه الشخصيات تولد من تجارب ومغامرات مؤثرة أوجدت هذه الروح التي تستقي أفكارها، وتصيغ أهدافها ومعانيها مما عاشته من ظروف إيجابية أو سلبية وتمكنت من خلالها تكوين نقلة جديدة ومؤثرة في تآلف مع مشاعر مقنعة تجعلها تخرج إلى منطقة القرار بأن تستفيد من كل ما في هذا الكون من مصادر للمعلومات، وأنسنة الأشياء، وتلمس طرق وأبجديات المرحلة والسير في خط متواز مع هذه الأولويات التي تحقق نظرة ثاقبة ومختلفة يمكن أن يصل إليها من يكتشف نفسه أولا ويقبل انعكاسات التجارب، والملهمين على حياته بعيدا عن التمسك بالبراري القاحلة تلك الولادة التي يمكن أن تخرج من رحم عشبة فرضت نفسها وتمددت على الأرض دون أن تكترث بمن يرويها، أو شجرة ألقت أوراقها الصفراء على الرصيف، أو من بكائية شاعر أو من شرود ضوء نحو الأفق البعيد، إنك بحاجة للبعد عن صرير تكرار الفعل وتوقع نتائج مختلفة ما تحتاجه هو صناعة وطن متكامل من ذاتك ينمو، أعماقك تعود إليه لتتحدث إليه وتناقشه وتختبئ خلف جدرانه وطن ينبع من ذاتك ليلهمك كيف تتمتع بشجر الأكاسيا وتساقط المطر ويشرح لك قيمة احتساء فنجان قهوة على رصيف بعيد ويأخذك مع الشمس لتتسلل من شقوق النوافذ، وتلعب مع الصغار لتثبت لكل قوانين الطبيعة أنك إنسان يؤثر ويتأثر ويفهم ويتفهم، ويعود إلى نفسه في نهاية المطاف ليتحدث إليها، ويقنعها أنه يستوعب حزمة الضوء التي يمر بها في كل يوم من هذه الموجودات التي لم يكن يعرف أنها من أعتى الملهمات.

اخر التعليقات