إنها اللقطة التي تأخذها من زاويتك الخاصة فقد تتجاهل فيها حائطاً جانبياً أو إضاءة خافتة، أو بقايا عبث منزلي ونفايات قريبة، وربما قد تقرر التركيز على رصد حشرة عابرة أو عصفور طائر أو لحظة لانكسار المرايا أو لقطة لحالة إنسانية مع أنك لو غيرت قليلا في زاوية الصورة قد ترصد التفات الكاميرا إلى مشهد مختلف تماما وقد يكون مخالفاً للصورة الأولى.
كل هذه المشاهد صارت توثقها شهقة الكاميرات قبل أن تطلق زفيرها وتبث الصور في كل مكان من حياتنا بلمج البصر. بما يستدعي أن نعترف أننا أصبحنا متلبسين "بثقافة الصورة" التي بدأت تغزو عالمنا المتحضر، والذي صرنا نعيشه محاصرين بلغة جديدة لحوار آخر مع البيئة المحيطة ففي كل مكان تتوقعه أو لا تتوقعه يختبئ قناص يقوم باصطياد اللقطة من زوايا متعددة في حالة مقنعة ابتكرناها لتحقيق أهدافنا في توثيق الأحداث، أو اختراق للخصوصية أو البحث عن ألبوم لذكريات عابرة قد نحتاج أن نعود إليها لنتذكر ملامحنا.
وفي كل الأحوال وصفت الصورة بأنها أبلغ من الكلام، فهي جاهزة للوصف التعبير بصمت في موعد يطلق عليه في بعض الأحيان "عصر الصورة"، والتي صار الحصول عليها في توقيت بسيط لحالة من الاستباحة والاختزال الكامل لكل ما يجري في هذا الكون في "صورة" يمكن أن تتصفحها لتقرأ الواقع بصمت ثم تقرر قناعاتك، بينما تتكاثر الصور واللقطات في كل اتجاه بما يحتم علينا عدم اعتبار هذه المقاطع أو الصور من المسلمات التي لا تقبل النقاش، وإنما أصبح من المهم لنا التّفكير في كيفية وإمكانية استغلال هذه الصّورة، ومعرفة المغزى منها، وأن نحتفظ بما تبقى من قناعاتنا بأن هناك تقنيات عديدة يمكن أن تزيف الحقائق وإننا ما زلنا بحاجة لتحليل محتواها ومضمونها، إذ إنّ ثقافة الصّورة أصبحت تتعدى مجرّد النّظر إليها، أو طلب ابتسامة جماعية من خلف العدسة "اضحك الصورة تطلع حلوة"، لأن القصة تجاوزت فكرة توثيق اللقاءات والذكريات وتعليق الصور على الجدران إلى العمل الإعلامي والإخباري المنظم الذي لا يحتاج إلى سذاجة التفكير، وإنما إلى البحث والتحليل، والتعمق لأن هناك رسائل إعلامية وإخبارية أصبحت تنطلق من حواف الصور، مما يتطلب توفر حالة من الوعي وقراءة واقع التّحول في عالم الصّور وأصبح لها تأثير جذري على كل ما يحيط بنا، إننا نعيش حالة من الاختلاف الجذريّ في النّظر للصورة وثقافتها، فبعد أن كان التّصوير الفوتوغرافي من أصدق الوسائل للتعبير عن الواقع والأحداث أصبح بفضل التّكنولوجيا الرقمية من أخطر وسائل التعبير التي تحتاج إلى وعي بفكرة الزوايا الخاصة وتاريخ التصوير ومكانه ومصداقية اللقطة، والأهداف التي تقف خلفها والتي لم تعد تحتاج إلى فئة معينة أو إلى تدريب احترافي، وإنما أصبحت في متناول الجميع، وأصبحنا نرى الأحداث في لحظة تكونها وبشكل فوري بعد أن تقلّصت الفترة الزّمنية بين وقوع الحدث وبين رؤيته، وأصبحت الصّورة لغةً شعبية، وبدأنا نعيش عالماً تُهيمن عليه الصّور الإلكترونيّة لتنقل الصّورة حسب رؤية من يلتقطها.
ويمكننا أن نقول إن الصّورة الأكثرُ شهرةً وجماهيريةً بين الشّعوب، كما أنها صارت تحتاج إلى رؤيةٍ جادةٍ وثاقبةٍ ونمط تربيةٍ وتعليمٍ يعتمد لغة الصّورة، ويشرح مقوماتها وأهميتها. إننا نحتاج لتثقيف أفراد مجتمعنا ورفع قدرتهم على قراءةِ الصّورة، وما وراء الصّورة بحاجة لأن يكون لدينا جيل واعٍ يحتاج لصورة مقنعة لحدث حقيقي "غير مفبرك" وأن يكون لديه هذه القدرة على معرفة مصداقية صورة قد تكون قد دخلت إلى عالم المونتاج وخرجت لتقلب الحقائق بسبب أجندات غير معلومة الأهداف مما يتطلب تعزيز الوعي الإلكتروني والرقمي بالمعرفة والعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق