الاثنين، 27 أغسطس 2018

حتى لا تندم خمس مرات

عندما أرادت بروني وير (Bronnie Ware) الممرضة الأسترالية التي عملت في قسم العناية المركزة أن تجمع باقة من المعلومات عن الأمنيات الأخيرة لمن هم على فراش الموت، بعد أن كرست وقتها كي تصغي للصوت الخافت للحظات الغياب الأخير ما بين برزخ الحياة والموت.
وسجلت هذه اللحظات في كتابها "أكثر خمسة أشياء ندم عليها الراحلون"، حيث وجدت بروني أن المرضى في آخر لحظاتهم عندما يقفون على آخر حواف العمر لا يندمون على فوات مال، أو صفقة عمل أو خسارة تجارة، أو على ظلم المدير، أو تعسف زوج، بل كانت هناك أمور أخرى غير متوقعة، فقد كانت بروني تريد الوصول إلى حالة إجماع على خمسة حالات من الندم تختصر قصة الحياة فكان أول ما ندم عليه المرضى الراقدون على وسائد النسيان على التفكير والقلق حول رأي الناس بهم وعدم تمكنهم من امتلاك الشجاعة في تجاهل رأي الآخرين، فعاشوا حياة سلبية لا روح فيها منشغلين بمحاولة الحصول على تذاكر قبول من المجتمع، ومحاولة بذل كل ما في وسعهم في سبيل ذلك.
وكان الندم الثاني على عدم التعبير عن مشاعرهم خوفا من إغضاب الآخرين حيث ظلت مشاعرهم حبيسة أدراج القلوب المغلقة، بينما ندموا للمرة الثالثة على عدم إدراكهم أن السعادة قرار بأيديهم وليست بأيدي الآخرين فأجّلوه في انتظار أن تصلهم طرود مغلفة بشرائط الورد ومواعيد اللهفة، وطال الانتظار بينما كان الندم الرابع على ضياع عمرهم في اللهث خلف لقمة العيش بعد أن فوتوا فرصة البقاء مع الآباء والأمهات واللحظات الجميلة في حياة أبنائهم من أجل المزيد من الرزق خصوصا في أثناء مراحل حياتهم المتعددة.
وكان الندم الخامس على عدم امتلاك الشجاعة للمغامرة وملاحقة الأحلام والتي ظلت أحلاماً ولم تتحول إلى إنجازات، وإعطاء المشاكل في هذه الحياة أكثر من حقها.
ومن يتأمل في قصة الأمنيات الكثيرة لدى الناس يجد أن هناك تباينا كبيرا في وجهات النظر، وترتيب الأولويات ما بين من يعيشون الحياة وآخرين يراقبون من يعيشها، وقد يرجع هذا التباين إلى درجة التعليم أو إلى الثقافة والوعي بما يجب أن تكون عليه خطواتهم أو قد تكون نتيجة لما تربى عليه الإنسان من قناعات حول مصادر سعادته.
ولكن الجميع في النهاية قد يخلد إلى أفكار متقاربة حول ماهية الحياة وأهدافها وحالة الركض اليومي خلفها لمن يرغبون في تقمص أدوار الضحايا أو آخرين يعانون من اللامبالاة وما بين حالة من الاختلاف الشديد في أفكار الناس وقناعاتهم التي تسيرهم في مختلف الطرق تجد المحصلة النهائية عند الوقوف في المحطة الأخيرة والنظر إلى الخلف لإدراك ما يجب أن يتم قطفه في الحلقة الأخيرة من مسلسل العمر الذي انفلت كخيط رفيع من بكرة الحياة، مما يستوجب التفكير في الوصول إلى محطة لا يمكن فيها تعداد حالات الندم ولا يتم خلالها الشعور بحسرة وذلك في حالة واحدة فقط اسمها عند تطبيق مبدأ "الحياة" بمعنى هذه الكلمة والخروج من حالة "الأحياء الأموات"، أولئك الذين تمر عليهم حالة التشابه بين الأيام والمشاعر، والقناعات وفكرة التكرار بينما لا يتجرأ أحدهم في التفكير في الدخول إلى بوابة التغيير ليرقب زوايا أخرى في الشواطئ النائية عن ذهنه الذي كان يحتاج فقط إلى لحظة شجاعة لم يهتم بأن يصل إليها إلا بعد أن انتهت اللعبة وأطفئت الإضاءات وخيم الخفوت على كل شيء.
إنها الحقيقة تتجلى بوضوح الشمس حين يقترب الأجل ويضعف الجسد، وتنحسر الصحة، فتكون المشاعر، والعواطف هي الأغلى والأكثر أهمية فعندما ترقد على سرير الذكريات لابد وأن تتذكر أنك إنسان رأس ماله "إنسانيته وشعوره".

ليست هناك تعليقات:

اخر التعليقات