ما بين الواقعي والافتراضي خيوط يمكن أن تتشابك قصتها لتحكم دائرتها المغلقة على "الإنسان الحديث" الذي تداخلت أوراق أفكاره ما بين عالمين أحدهما ملموس والآخر مساحة لا محدودة يصعب وصفها أو لمسها لكونها قد تتجاوز الخيال أحيانا وقد ترتد إلى شخوص العالم الواقعي أحيانا أخرى، ليدخل كل منا مدينته الخاصة ويغلق الباب خلفه ويعيش حالته الخاصة كموجود يعبر عن أفكاره ومشاعره ومنطقه المختلف في جدلية التلاقي ما بين الواقع والخيال بعد أن استطاعت التقنية الحديثة بفعل قدرات الإنسان واختراعاته الفذة أن تخلق لكل منا عالما متفردا دون أن يحتاج للذهاب إلى المريخ في مركبته الفضائية، أو أن يتقدم إلى وكالة ناسا للصعود إلى الفضاء لأن العالم بكل صوره ولوحاته الاجتماعية والفكرية والثقافية انتقل إليه ليتمكن أن يصل إلى آخر نقطة من اللاحدود فيعرض وجهة نظره، أو قد يعترض ويتحاور بل لقد تجاوز هذه الأفعال إلى أخرى يقوم خلالها بالنقد والاعتراض والتعدي والقيام بفعل التجاوز على الآخرين والتعليق بما يعرف ومالا يعرف وقد يغمض عينيه ويقص ويلصق دون أن يكلف نفسه عناء القراءة ومعرفة ما خلف السطور.
وعلى الرغم من عدم تهيئة الأجيال الجديدة لهذا الزخم التقني العظيم الذي أغرق العالم بالجديد والمبتكر في وسائل التواصل الاجتماعي التي فاقت تصور الإنسان في إمكانياتها في الربط بين أقطاب العالم، إلا أن هذا الجيل استطاع الانسجام مع هذه النقلة النوعية في وسائل الاتصالات من الناحية التقنية أما عن المحتوى الاجتماعي والثقافي فهو لا يزال بحاجة إلى نظرة واعية يتم عند الدخول إلى هذا المجال بوعي حتى لا تتسبب هذه الوسائل في حصاد ذنوب افتراضية قد يظن البعض أنها غير مؤثرة وأنها تخص عالما آخر لا يمت إلى الواقع بصلة، ولعل قوانين الجرائم الإلكترونية والعقوبات التي تفرضها هذه الجهات الأمنية لهي أكبر دليل على ارتكاب الذنوب الافتراضية حيث يمكن أن يرتكبها الشخص دون أن يغادر مقعده أو سريره عندما يجند طاقاته ضد الإنسانية أو ضد القيم أو المبادئ أو عندما يختبئ خلف أسماء مستعارة لتحقيق أجندات يعرفها ولا يعرفها في غفلة من نوم الضمير، والتعاطي مع هذه التقنية وكأنها من صنع الخيال وكأنه يحق له أن يفعل ما يريد وأن يجرح بالكلمات أو أن يتعدى بالألفاظ أو أن يشهر أو يستولي ويخترق هذا المجال ثم يغلق أجهزته ويرقد دون أن يهتز جفنه، ودون أن يعلم أن عقوبة مثل هذه الذنوب لا تختلف عن عقوبة الذنوب الواقعية في الدنيا والآخرة لكون نتائج هذه التصرفات قد تكون متساوية في ناتج الإيذاء أو التخريب، مما يعيدنا إلى المربع الأول ومن أول الخطوات في هذه الحياة التي تستدعي الحذر من ارتكاب مثل هذه الذنوب، لأن نتائجها لا يمكن أن تظل افتراضية وإنما يمكن أن تكون عواقبها أشد وطأة من الذنوب الواقعية لسرعة وسهولة تحقيقها في عالم تداخلت فيه القيم التي تستدعي وقفة ضمير افتراضي يحاسب نفسه كي لا يغفل عن مثل الاختراقات وهو يظن أنه يحسن صنعا.