في لحظة إصدار المقاومة الفلسطينية بياناً تأكيدياً على أسرها الجندي الإسرائيلي «شاؤول أرون»، اشتعلت فرحة خاطفة لمعت كالبرق في عيون الفلسطينيين، وكأن وردة طلعت من جراحهم بمجرد سماعهم هذا الخبر الذي أعادهم إلى الذكرى الأولى لصفقة وفاء الأحرار، التي تم بموجبها تحرير 1027 أسيرا وأسيرة فلسطينيين من سجون الاحتلال مقابل الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، وذلك في تاريخ 2012-10-18م، وفجأة ملأ التكبير أرجاء الشوارع، وطار الخبر للسجون الإسرائيلية ليبشر الأسرى برائحة الأرض ونشوة الحرية.
استطاع هذا الخبر أن يحوِّل مواجع أهل غزة في لحظة إلى فرحة عارمة، وزعوا فيها الحلويات في المنازل والشوارع والميادين، وكأنما لوَّحت رايات النصر لهذا الشعب الذي يتطلع إلى بصيص أمل يساعده في تجاوز ويلاته ومواجعه في إعادة الأسرى وكسر الحصار وفتح المعابر.
كانت غزة تقف على أطراف قدميها متطلعة إلى أسوار الحرية العالية، التي بدأت تظهر أنوارها لترسم حلم نظرات تطل من خلف سجن كبير طالما حلم أهل غزة بأن يخرجوا منه، وألَّا يظل سيفاً من الجوع والفقر مسلطاً على رقابهم، بينما كان العدو الإسرائيلي منشغلاً في نفي الخبر وتبريره للشعب الإسرائيلي عن طريق استراتيجيته المعلومة في التعتيم الإعلامي وطمس الحقائق والاعتراف بخسائره في حدود ضيقة، إلى أن أُجبر على إذاعة اختفاء أحد جنوده بعد يومين، بينما ظهرت بارقة أمل من خلال هذا الحزن الفلسطيني عبر عنها أهالي غزة بمسيرات عفوية وابتسامات وتندر حول أسرهم لشاؤول، فمنهم من دعاه على مائدة سحور فلسطينية على طبق «سماقية»، وآخر تساءل عن حال والدته التي تريد أن ترسل له حقيبة ملابسه، وآخر كتب ممازحاً:
«يا شاؤول اتدفى ونام
بكرة أول يوم صيام
والليلة سحورك شمام»
وكتب آخر:
«يا جماعة ادعوا للجندي الإسرائيلي الأسير شاؤول أرون اللهم إنه وحيد فآنسه بجندي آخر».
وهكذا فجر الحدث سخرية أهالي غزة، الذين شاركتهم الضفة والقدس وعديد من دول العالم هذه الفرحة بوقوع هذا الأسير في قبضة المقاومة، فكان اختيار المقاومة لبث هذا الخبر في توقيت انتظار وحالة ترقب لأي قشة يتعلق بها الغريق، أو لمحة أمل وفرح تطل على هذا الشعب المدجج بالجراح، فما بين شاليط وشاؤول عامان من انتظار تحقيق مكاسب لأهل غزة على أرض الواقع.
وعلى الرغم من قوة مواجهة المقاومة الفلسطينية، وتحقيقها مكاسب عسكرية بقتل وإصابة عديد من الجنود الصهاينة، ومن كشف حقيقة الجندي الأسطورة وما كرسه الإعلام عن هذه القوات، إلا أن أسر هذا الجندي يعتبره أهل غزة نافذة تطل على جراح الأسرى المحكومين بقضاء باقي أيامهم في سجون الاحتلال، طامحين لتحرير أكثر من ألف أسير ينتظرون أن يتنشقوا حرية العودة ولقاء الأهل.
أسر شاؤول لم يحرر فلسطين، ولكن وقع هذا الخبر جاء بمنزلة أمل لشعب صامد صائم مرابط محاصر مأسور، يعاني من العزلة عن العالم، ليس لأنه يعاني من أي مرض معدٍ، ولكنه يدفع ثمن فلسطينيته حتى آخر حدود الرمق.