عندما قرأت خبر تكليف مخبرين رجالاً ونساءً من قبل لجنة الرقاة بمحافظة خميس مشيط، لتقصي أوضاع الرقاة في مواقع وجودهم، ومتابعة مخالفاتهم مع تعدد ضحاياهم، تذكرت زيارتي الميدانية لتغطيةٍ اعتبرتها «مهمة صحفية خاصة» لرصد هذه المواقع وما فيها من أحداث ومغالطات، والتي غالباً ما تكون في مواقع مهجورة، في جوٍّ تسوده الريبة والخوف، فعندما وصلت إلى المكان المحدد لم أكشف عن هويتي الإعلامية، وقررت أن أتقمَّص دور طالبة العلاج.
كانت رهبة المكان أول سطور الحكاية، كما برز المراقبون السريون وهم يتابعون دخول الناس إلى مواقع الراقية، ظاهرين جلياً دون الحاجة لوضع ثقب في جريدة يختبئون خلفها كما هو الحال مع مخبري الأفلام المصرية.
كانت السيارات تملأ المكان، ولوحات من دول الخليج العربي، بما يؤكد سعي الإنسان لأي بارقة أمل في الشفاء من أوجاعه ومتاعبه عند شعوره بعجز العلم أمام حالته، ورغبته في تفسير كل ما ينغص حياته، مما يجعله يقطع الفيافي والقفار ليجد شفاءً لحالته.
كان المكان منزوياً في أحد أطراف مدينة خميس مشيط، ويضم مواقع للرجال وأخرى للسيدات، تجمعت فيه أكثر من 300 سيدة، في عالم آخر تصمت أمامه كل الأقلام.
وقفتُ أرقب من طرف الباب بكاء نساء يستمعن لآيات الرقية الجماعية في حالة هستيرية من الانفعال، وضرب الرؤوس بالجدران، والتقيؤ، مما جعلني ألتصق بالمدخل خائفة أترقب، وأنا أراود نفسي بالعودة أدراجي، وأخيراً قررت أن أختلس المعلومات من الجالسات بقربي وهن يتحدثن عن تجارب مريرة مع بعض الرقاة ممن يستخدمون الضرب بالأسلاك الكهربائية أو الخنق بالأيدي أو العصي، بهدف إخراج الجن والمس، كان المكان مهولاً لدرجة شعوري بأنني أعيش كابوساً مفزعاً.
خرجت لا ألوي على شيء، ولم أستطع تلك الليلة أن أكتب حرفاً واحداً، وانتظرت لأجمع شتات نفسي متسائلة عن حجم ثقافتنا حول الرقية الشرعية، وعمَّا ورد فيها من نصوص وأحكام شرعية، وعن أهمية إلحاق مواقع خاصة بالرقية في المستشفيات للاستشفاء بالقرآن الكريم، بدلاً عن الدخول في تجارب مع رقاة جميعهم يتحدثون عن مقدرة خارقة في فكّ السحر، والتخلص من المس، مع وجود رقابة من الجهات المختصة على هؤلاء الرقاة بطريقة تحدد لطالبي هذا النوع من العلاج الموقع الصحيح والعلاج الأمثل، بعيداً عن الشائعات والأوهام.
إنها رؤية جديدة بدأت بها لجنة الرقاة في محافظة خميس مشيط للحدِّ من مخالفات الرقاة، وخاصة مع السيدات، أو بعض المدَّعين من السحرة وغيرهم.
إنها فكرة رائدة تحتاج إلى تكثيف ودعم، لتُعمَّم التجربة، ومساندتها بالتوعية بثقافة الرقية الشرعية وأصولها حتى لا نتحول إلى ضحايا بدلاً عن الاستفادة منها.