على مائدة الإنستجرام تطل عديد من الصور والمعلومات الرقمية التي تفانى أصحابها في نقل تفاصيل واقعهم الاجتماعي أو الاقتصادي بكل حرص ودقة، مستفيدين بذلك من معطيات التقنية الحديثة و «ثقافة الصورة» التي طغت، وعززت التوجهات لنقل الواقع الذي يحكمه تعددية الظروف، فوجد كل منا مبرراً لاستخدام هذه التقنية التي يتم التوسع في استغلالها يوماً بعد يوم في الترويج للسلع والبضائع والوجبات الغذائية، أو استخدامها لنقل واقع اجتماعي أو صحي أو اقتصادي معين، بينما تطور استخدام هذه الثقافة إلى نقل تفاصيل الحياة والخصوصيات، فصار من السهل على أي متصفح معرفة المعلومات الكاملة عن الآخرين، وعن أدق تفاصيل حياتهم، شكل منزلهم، وأثاثهم، رحلاتهم، وملابسهم، وجماعة الأصدقاء، وكافة الأمور التي تحكي عن أدنى تصرفاتهم وتحركاتهم والمطاعم التي يرتادونها واختياراتهم وعلاقاتهم الاجتماعية، كما اتسعت دائرة استخدام الإنستجرام إلى ربات المنازل، ومختلف شرائح السيدات اللاتي حوَّلن هذا الموقع إلى ساحة تنافس، في عرض السُفر الرمضانية التي تضم الأواني الفاخرة، والمأكولات المتعددة، بهدف الاستعراض والتباهي، فالغيرة النسائية أنموذج يحقق عديداً من الأهداف، فعندما تشتعل النار من مستصغر الشرر تتساوى الأفكار النسائية في محاولة لإثبات التميز والتنافس في مجال الطهي، الذي يعتبر من أهم خبرات النساء، مما أثار حيرة الرجال في بادئ الأمر عن أسباب تطور شكل السفرة الرمضانية في بروتوكولات وطقوس التقديم واستنساخ طرق الطهي والتقديم المبتكرة إلى هذا الحد، وعن زيادة المصروفات الاقتصادية التي زادت العبء على رب الأسرة لهدف ساذج بأن يتم بث صور فنون الطهي على الإنستجرام لنبدو أكثر اهتماماً وتحضراً في نظر الآخرين، ولنبرز عضلاتنا واحترافيتنا في فنون المائدة لأهداف التباهي والتنافس، متجاهلين بذلك ما دعا إليه ديننا الحنيف من معان سامية وأهداف عظيمة للصيام، والشعور بالفقراء الذين يملأون العالم.
إننا لا نحتاج لأكثر من لمسة «تاتش»على أجهزتنا الذكية لنقرأ واقع إفطار الفقراء واللاجئين والضعفاء في العالم، والذي لا ينتهي جوعهم عند أذان المغرب، ولكنه قد يمتد إلى أيام من الجوع لا تنتهي.
ولعل المعلومات التي تحكي عن نِسَب الفقر والجوع في العالم كفيلة ورادعة لأن تشعرنا بما نحن فيه من خير ورخاء.
إنها لمسة واحدة فقط بتمعن لكل مجريات حياة الفقراء الذين يجتثون لقمة الخبز من «العدم» ومن أوراق الشجر ومن أكوام النفايات كفيلة بأن تجعلنا نسجد لله شاكرين بأن خصَّنا بالأمن والأمان في أوطاننا، وهي ميزة حُرم منها وتمناها كثيرون.
لمسة واحدة فقط تجعلنا نبادر لشكر العلي القدير أن حفظ لنا بلادنا من شر الحروب والفتن، وأن علينا أن نستشعر هذه القيمة الخطرة والمؤثرة، التي لا يمكن أن يشعر بها إلا من تشرَّد وشعر باليتم والضياع والجوع، وبات ليله ينتظر أن يسدَّ جوعه ولو بشق تمرة.