تعتبر قصة «مظلة الرجل» من أشهر القصص التاريخية التي تحفظها كل النساء عن ظهر قلب، لدرجة أنها يمكن أن تضاف إلى الوصايا التي كانت يمكن أن تنصح بها «أُمامة» ابنتها «أم إياس بنت عوف» عندما زفتها إلى ملك كندة، فقد بقيت هذه القصة من المورث الفكري الراسخ لكل من الرجال والنساء، الذي يقضي بحالة من التبعية والانصياع ودرجة عالية من الصبر والتفهم والقناعة من قبل المرأة مهما كانت الظروف والأحوال بأن تبقى تحت المظلة، وألَّا تفكر أبداً في مدِّ رأسها مسافة تزيد عن مليمتر واحد خارجها، حتى لا يغضب الرجل ويتهمها بالعصيان والخروج عن دائرة الطاعة والشرع الذي جعلها تحت وصايته، بما تقتضيه الآية الكريمة في قوله تعالى: «الرجال قوامون على النساء»، وتوقف كثير من الرجال عند هذا الجزء من الآية دون أن يكمل من استدل بها في قوله: «بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ»، وما في شروح الآية من معانٍ عظيمة للقوامة بالرعاية والمودة والمحبة والاهتمام والحماية والإنفاق، التي تحتاج إليها المرأة لتتمكن من أداء مهمتها كونها رئة المجتمع.
ولعل هذه القصة خرجت من مفهومها الأسري بين الرجل والمرأة ومنطق التبعية إلى مواقع أخرى، لدرجة أنها صارت تلاحق المرأة أمام بوابات الحياة والعمل.
فهاجس المظلة ظلَّ مكرَّساً في الأذهان والقناعات، وفي أروقة العمل التي عززت شعور المرأة بالخوف من الخروج من هذه الدائرة التي تشكلت داخل يقينها وأفكارها وقناعاتها بأن تظل محكومة بالتبعية حتى في الأفكار والمنجزات للرجل، وأن عليها أن تحافظ على هذه المظلة وإن لم تكن مظلة، وأن تتمسك بكافة القناعات المغروسة في اليقين الأنثوي «بظل راجل ولا ظل حيطة» حتى لو كانت «الحيطة» وفق تعبيرهم لا توفر الأمان والاختباء.
لقد انتقلت عدوى مظلة الرجل إلى كافة مواقع العمل، لتظل كل الأفكار الإبداعية والابتكارية تنتظر حالة من الإفراج عنها، ورفع سقف المظلة إلى درجة يمكن للمرأة أن ترى النور، أن تحقق بجرأة اتخاذ القرار خدمة كبيرة لأسرتها ولمجتمعها ولوطنها، في حالة من التمرد الإبداعي المثمر لرؤية نسائية واعدة وثاقبة، ولحرية أوَّل أبجدياتها الإنجاز والتطلع والعمل والمساهمة في صناعة الغد، بعيداً عن حكم المظلة الأبدي.
إنها نظرة مستقبلية للمرأة للخروج من التبعية وطوابير الانتظار إلى صناعة القرار والمشاركة في تنفيذه، إلى عالم تطلعات المرأة التي تعدت حدود المظلة إلى أعلى مراتب الإنجاز ومواجهة التحديات، والخروج من حتمية الدوائر إلى فضاءات العطاء والعمل والابتكار.
إنها الأجنحة التي ستحلق بها عالياً نحو عوالم أخرى تحتاج فيها إلى مساندة ودعم من الرجل.. شريكها في رغيف الحياة.