بقدر ما هيأت التقنيات الحديثة أهم أساليب التلاقي بين فئات المجتمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي من اتصال، ورسائل نصية، وواتساب، وأخرى، بقدر ما تعرضنا جميعاً إلى هجمة شرسة من الجهات الدعائية، التي قامت باستغلال قوائم الأرقام الخاصة بنا، لتحول أجهزة الهاتف المحمول إلى مزاد وسوق للرسائل الدعائية دون استئذان، أو احترام لخصوصية المستفيدين من هذه الخدمة، وانتهاك خصوصيات الآخرين برسائل قد تصل في أوقاتٍ غير مناسبة، مسببةً إزعاجات للمتلقين أو إشكاليات أسرية بسبب تواتر إيقاعات الرسائل، ما يؤكد أنه قد تم التواصل مع شركات الاتصالات لبيع أرقامنا الخاصة والاستفادة مادياً من هذه المعلومات، ما اضطر عديد من مستخدمي الجوال إلى استخدام المنقذ «بلُك دوت كوم»، لحماية أنفسهم من سيل الرسائل المتتابعة، مثل بيع عقارات وتخفيضات المفروشات والملابس والمستشفيات… وغيرها من وسائل الدعاية.
كما استفاد هؤلاء من استخدام هذا النمط في حجب الاتصالات، وإيجاد فرصة إغلاق نوافذهم التقنية في وجه مَنْ يتسبب في مضايقاتهم من المعاكسات الهاتفية والمحافظة على خصوصياتهم، وإلى فرض قطيعة تقنية مع الأشخاص الذين تقطعت بهم السبل في التحاور معهم، ولعلني كثيراً ما تساءلت عن أسباب عدم وصول رسائلي إلى بعض الأشخاص الذين قرروا أن يقوموا بعملية «حظري» وإلغائي من أجندة اهتماماتهم، وأعتقد أن غيري أيضاً تساءل عن أسباب استخدامي لهذه الخدمة لإنهاء علاقتي بهم بطريقة سهلة، تقطع دابر التواصل وتلغي العلاقات، من خلال هذه التقنية التي كان لها دورٌ كبيرٌ في تواصل بعض الأشخاص أو إلغاء التعامل معهم، لأسباب فرضتها علينا هذه التقنية التي لم نعد نعرف إن كان ما نحصل عليه من تقدِّم فيها هو ميزة أم ضريبة ندفعها كلما شعرنا باختلاف وجهات النظر أو الخذلان، أو عدم القدرة على التواصل.
إن ما نحتاج إليه هو إيجاد بنية تحتية لمشاعرنا ولعلاقاتنا، تسمح لنا بالتعاطي مع هذه التقنية التي فتحت الأبواب على مصراعيها للتواصل بجرأة مختلفة جعلتنا أحياناً نصل إلى حد الثرثرة، وأحياناً أخرى إلى حد الصمت أو الخلاف، إنها أبجدية جديدة يجب أن يتم بناؤها بطرق مختلفة لثقافة الحظر، ومتى يمكن أن نطبِّقَها بعد استنفاد كل الحلول لاستمرار العلاقات، وتركها كآخر حلٍّ لفصول العلاقة عندما تـُثبت عدم جدواها، وعدم القدرة على استكمال مسارها، إنها أبجدية جديدة في بناء العلاقات، ومحاوله تفعيل التواصل الاجتماعي من خلال معطيات هذه البرامج، وأيضاً الاستفادة منها في التخلص من العلاقات غير المجدية، التي لا تحقق للإنسان أي تقدم، والتي يصبح التخلص منها أمراً ضرورياً وحتمياً حتى يمكن للحياة أن تستمر في مسارها الصحيح.