تبنى عديد من المواطنين في ميدان الحياة دور الإعلاميين، فنقلوا الأحداث ببراعة ومصداقية وثقة، وجنَّدوا طاقاتهم لرصد المخالفات والفساد والمحسوبيات على أرض الواقع، مستفيدين من مميزات التقنية الحديثة التي صارت تنقل الحدث وتوثقه بسرعة البرق، في احترافية صادقة، ويقين مفعم بالأمل في التغيير والارتقاء، ونقل الصورة الحقيقية للواقع، وفي تطلُّع لوضع الحقيقة تحت مجهر المسؤولين وهم يشيرون بأصابعهم «هذا هو الحال… يا من تنشد عن الحال».
فحضرة المواطن صحفي صار يشعر بمسؤولية التغيير والمواطنة الحقة، وبأهمية صوته في تحسين حياته وتطويرها، صار يعرف دوره في نقل الحقائق وإثباتها بالسبل والأدلة كافة، هذا المواطن البسيط أو المتعلم لم يتخرج من أكاديميات الإعلام ولم يعرف معنى مهنة «المتاعب»، ولم يعاصر صحافة (الفاكسات) والمعاناة القديمة التي تعرفها مذكرات الإعلاميين، ولم يتدرب على الأسئلة الإعلامية الـ5، ونظرية عضة الرجل للكلب، والهرم المقلوب، وإنما تعلم أبجديات الصحافة بالفطرة، وعرف كيف يستفيد من معطيات التقنية، بعد أن جند نفسه لشراكة يكون فيها جندياً مجهولاً في ميدان الحياة، يشعر بدوره في رقابة واقعية على الطرقات التي يسير فيها، والقرى التي أنهكها غياب الخدمات وهموم الموظفين وطوابير العاطلين وتطلعات الخريجين، والحقوق التي تحتاج من يعرفها ويطلبها ويدافع عنها في إصرار على استرجاعها.
إنني مدينة برسائل شكر بلا عدد لجنود الميدان الذين لا يضعون أسماءهم على الأخبار والتحقيقات والتقارير على الرغم من كونهم أول من جلب حقائقها، وخطَّ سطورها، وكانوا سبباً في أن يكون لأي إعلامي حرف يلمع كالنجم، يوقده هذا الجندي الذي أشعل جذوة الحقيقة، ونقلها بصدق دون أي مقابل سوى أن يرى الحقائق ساطعة، وأن يزهو بمشاركته في رسم خارطة مضيئة لوطنه الذي يتمنى أن يرمِّم كل إشكاليَّاته ليسعد فيه هو وأبناؤه، ولمواطن يتحسس هموم واقعه والظروف كافة بعين ثاقبة وواعية، تعرف معنى توثيق المعلومة ومصداقية الخبر وأخلاقيات المهنة، فيقوم بتقديم هذا الدعم الخطر بشكل مجاني وبلا مقابل، وكأنه يتقاضى من أي إنجاز أو تغيير حصته من الأرباح، يتشارك فيها مع أبناء وطنه.
فيا أيها الإعلاميون: شاركوني في صياغة خطابات شكر لجنود الحقيقة فهم أول سطورها، وكل معاني تغييرها.
شاركوني في الاعتراف بهذا الفضل، وتسديد فاتورة الأخبار والتقارير التي تشاركنا فيها، مع شعور مواطن يسعى إلى فرض رقابة مجتمعية على واقعه، وتقييم معطياته كافة في تساؤل منطقي عن معاني المواطنة، مما جعلني لا أفكر لحظة في تكذيبه لأنني أعرف أن صاحب هذا الفعل الإعلامي يحمل هوية وطنية، تتطلع إلى استرجاع الحقوق غِلاباً بعيداً عن التمني.