الأحد، 6 نوفمبر 2016

من يحمينا.. منا؟

لا شك أن من يتمعن في معطيات التقنيات الحديثة التي تعد علينا أنفاسنا وتعرف عنا أكثر مما نعرف نحن عن أنفسنا سيعرف أنها أجهزة استخباراتية من الدرجة الأولى، وأننا لم نكن أكثر من أسماك النهر التي ابتلعت الطعم مبتهجة بلقمة دسمة طهيت على نار هادئة تحت عناوين جذابة، فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن وثائق لوكالة الأمن القومي الأمريكية كشف عنها النقاب حديثا أن شركة الاتصالات الأمريكية (إيه تي آند تي) قدمت مساعدات كبيرة لوكالة الأمن القومي الأمريكية في الوقت الذي تنفذ فيه الوكالة عمليات مراقبة هائلة على حركة الإنترنت التي تمر عبر الولايات المتحدة.
وذكرت الصحيفة أن الشركة ساعدت الوكالة في نطاق واسع من الأنشطة السرية. وتصف الوثائق كيف أن علاقة العمل بين وكالة الأمن القومي الأمريكية وشركة (إيه تي آند تي) كانت مهمة على نحو خاص في تمكين الوكالة من تنفيذ عمليات مراقبة – بموجب لوائح قانونية متعددة – لاتصالات دولية، وبين دول أخرى بعضها بعضاً عبر الإنترنت، وهي الاتصالات التي تمر من خلال شبكات في الولايات المتحدة، وإن تسريب الشركة حركة الإنترنت بين الدول الأخرى كان مهماً؛ لأن كميات كبيرة من الاتصالات العالمية عبر الإنترنت تمر من خلال كابلات أمريكية.
فمن منا لم تزل قدمه للدخول إلى هذا العالم الرقمي الذي صار شبيها بحبل الغسيل نقوم بنشر أخبارنا لحظة بلحظة إلى حد الهوس بنشر تفاصيل الحياة: أين سافرنا وفي أي مطعم أكلنا وفي أي فندق نمنا! فلاحقتنا هذه الوسائل إلى وسائدنا، وإلى دورات المياه، وإلى مقاعد الدراسة، وإلى تفاصيلنا العائلية، ولم ينج أحد منا من طوفان السنابشات والفيسبوك وتويتر والسلفي والوتسآب، وكلما ظهر في الأفق برنامج جديد ركضنا لكي نضيفه إلى القائمة التي أصبحنا نلاحقها في كل مكان بحيث يسهل على أي من قراصنة هذه البرامج أن يعرف عنا أدق خصوصياتنا التي يجب أن ننتبه إلى حمايتها، فليس هناك مشكلة من الدخول إلى هذا العالم الافتراضي بقدر ما هو خطير أن تصبح نوافذنا وأبوابنا مشرعة لدخول الغرباء، ونحن نشعر بكل الاعتزاز أن أكلاتنا وحياتنا وخصوصياتنا مكشوفة، وأننا وضعنا أنفسنا تحت المجهر، مع أنه بالإمكان استخدام كافة هذه الأدوات دون المساس بالخصوصية، ودون الهوس بتبادل الأسرار التي صرنا نحن مصدرها ونحن نتباهى ونستعرض ونفتخر أننا استهلكنا حياتنا الخاصة فصارت ملكا للعامة دون أن يهتز لنا جفن.

ليست هناك تعليقات:

اخر التعليقات