الثلاثاء، 8 نوفمبر 2016

على ورقة بيضاء

يمكنك أن تغيب في محراب الكتابة وتمارس طقوسها عندما تقف على ناصية ورقتك البيضاء وتجلس أمامها وجها لوجه لتستجوبك على طريقتها وتدعوك لعملية طهي حروفك الطازجة في موقد المعاني والتراكيب لتضع في النهاية وجبتك المفضلة وترجمة أفكارك في صحن مزخرف من فضة الورق ذلك الوعاء الذي يوثق خصوصيات الكتابة وكواليس الأعمال الأدبية التي ينثرها المبدعون محتفين بحبرهم الإبداعي منتصرين لرحلة القلم ذلك الجندي المجهول الذي يحفر أقدامه على ظهر الورق ويدون أعمق منطقة في الوجدان متجاوزا عملية الاختلاف في طبيعة التعاطي مع لحظة التجلي الإبداعية التي يجدها بعض المبدعين في لحظات بكور الصباح أو وقت الغروب أو عندما يعم الصمت في آخر الليل بينما يحاول بعضهم البحث عن مكان هادئ للانزواء فيه وارتشاف كوب بارد من الماء أو فنجان قهوة حالكة السواد وهو يضع مفارقاته على منعطفات الوقت ويحس بكل ورقة خريف سقطت من الذاكرة وقد يختار قلما عفويا يحمل لون أفكاره أو قد يختار قلم رصاص ليتجنب شطب ما سقط سهوا من الحروف إنها طقوس خاصة وعادات كتابية تسير بتلقائية وعفوية أحيانا وعشوائية أحيانا أخرى أو كما يرتب لها الكتاب من أوقاتهم وأدواتهم ليتهيئوا لنقطة البدء في اختلافات جذرية بينهم فمنهم من يكتب في كل الأمكنة والأزمنة ولا ينتظر النزول من القطار أو من على سلم الطائرة أو توقف المطر والريح ومنهم من توقظه الفكرة من نومه ليركض إلى ورقته ليدق فيها مسامير أفكاره ويصنع خيمة الغد ويغزل بقلمه حكايات مدن من السكر والملح وآخرين يكتبون وهم يزيحون حبات المطر والندى عن بتلاتهم الإبداعية لكل منهم فلسفته الخاصة وطريقته التي يحتفي بها.
فعندما يكتبني الكلام أفضل أن أنزوي في مكان لا أسمع فيه غير صوت حروفي تتراقص وتحلق كالعصافير على رأسي وفي زفرات الحروف آخذ نفسي إلى مكاني الهادئ الذي أتلبس فيه بالكتابة محتفية بيدي المنحوتة على سطح المكتب الخشبي الذي يحتويني كلما أردت أن أفرغ سلة التوت من حروفي فتكتبني الكلمات قبل أن أكتبها بلوني المفضل وهو “الأسود بالخط العريض” وبعد أن أنهي إشكاليات تناقض البياض والسواد ومواسم الهطول أعود منتشية بلحظة ولادة يعيشها جميع الكتاب والمبدعين بعد أن يضعوا أقلامهم جانبا وهم ينفضون ما تبقى من حبر الذاكرة وهم يكررون طقوس الكتابة ويحتفون بزواياهم وصناديق أدواتهم الكتابية الخاصة.

اخر التعليقات